للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُهْزَةً وَغَنِيمَةً أَصَابُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ إِنْ خَلَا بِكُمْ، فَلَا تُقَاتِلُوا حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ ثِقَةً لَكُمْ حَتَّى تُنَاجِزُوا مُحَمَّدًا. قَالُوا: أَشَرْتَ بِالنُّصْحِ.

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ، وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قُرَيْظَةَ نَدِمُوا، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَى مُحَمَّدٍ: هَلْ يُرْضِيكَ عَنَّا أَنْ نَأْخُذَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيَكُمْ، فَتَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ نَكُونُ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ؟ فَأَجَابَهُمْ: أَنْ نَعَمْ. فَإِنْ طَلَبَتْ قُرَيْظَةُ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ، فَلَا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ رَجُلًا وَاحِدًا. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى غَطَفَانَ فَقَالَ: أَنْتُمْ أَهْلِي وَعَشِيرَتِي. وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ وَحَذَّرَهُمْ.

فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ كَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ أَنْ أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إِلَى قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، وَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ، فَاغْدُوَا لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ: إِنَّ الْيَوْمَ السَّبْتُ لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَسْنَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا ثِقَةً لَنَا، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ، وَتَتْرُكُونَا وَالرَّجُلَ وَنَحْنُ بِبِلَادِهِ. فَلَمَّا أَبْلَغَتْهُمُ الرُّسُلُ هَذَا الْكَلَامَ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْظَةَ: إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَدْفَعُ إِلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا. فَقَالَتْ قُرَيْظَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الَّذِي ذَكَرَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ. وَخَذَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ، وَتَطْرَحُ أَبْنِيَتَهُمْ.

فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتِلَافُ أَمْرِهِمْ دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ لَيْلًا، فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَيْهِمْ، وَانْظُرْ حَالَهُمْ، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا. قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِيهِمْ، وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ فِيهِمْ مَا تَفْعَلُ، لَا يُقَرُّ لَهُمْ قِدْرٌ وَلَا بِنَاءٌ وَلَا نَارٌ. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لِيَنْظُرِ الرَّجُلُ أَمْرَ جَلِيسِهِ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي بِجَانِبِي فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانٌ. ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَقَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ، وَأَخْلَفَتْنَا قُرَيْظَةُ، وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>