للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا عَلَى مُحَمَّدٍ فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا. قَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّأْيُ. قَالَ: فَجَمَعْنَا لَهُ أُدُمًا كَثِيرًا، وَخَرَجْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّا لَعِنْدَهُ إِذْ وَصَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ رَسُولًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَطَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ لِأَقْتُلَهُ؛ تَقَرُّبًا إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ. فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامِي غَضِبَ وَضَرَبَ أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، يَعْنِي النَّجَاشِيَّ، فَخِفْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ. قَالَ: أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، لِتَقْتُلَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو، أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ؛ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَبَايِعْنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي وَكَتَمْتُهُمْ إِسْلَامِي، وَخَرَجْتُ عَائِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَقِيَنِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذْهَبُ وَاللَّهِ أُسْلِمُ، فَحَتَّى مَتَى؟ ! فَقُلْتُ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِلْإِسْلَامِ. فَقَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ دَنَوْتُ فَأَسْلَمْتُ، وَتَقَدَّمَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَسْلَمَ.

[ذِكْرُ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ]

وَفِيهَا أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى أَرْضِ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَلِيٍّ، فَتَأَلَّفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَسَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ يُقَالُ لَهُ السَّلَاسِلُ، وَبِهِ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ ذَاتَ السَّلَاسِلِ، فَلَمَّا كَانَ بِهِ خَافَ، فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَمِدُّهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَقَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ وَجَّهَهُ: لَا تَخْتَلِفَا. فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ عَمْرٌو: إِنَّمَا جِئْتَ مَدَدًا إِلَيَّ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا عَمْرُو، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَخْتَلِفَا، فَإِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ. قَالَ: فَأَنَا أَمِيرٌ عَلَيْكَ. قَالَ: فَدُونَكَ. فَصَلَّى عَمْرٌو بِالنَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>