للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً

فَقَالَ كَعْبٌ: مَا هَكَذَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قُلْتُ:

سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ... فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَأْمُونٌ وَاللَّهِ. فَتَجَهَّمَتْهُ الْأَنْصَارُ وَأَغْلَظَتْ لَهُ، وَلَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَأَحَبَّتْ إِسْلَامَهُ، فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي أَوَّلُهَا:

بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ... مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ

فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ:

وَقَالَ كُلُّ خَلِيلٍ كُنْتُ آمُلُهُ ... لَا أُلْهِينَكَ إِنِّي عَنْهُ مَشْغُولُ

نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ

فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا

زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ

لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهِمْ ... وَمَا لَهُمْ عَنْ حِياضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ

نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى قُرَيْشٍ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَنِ اسْمَعُوا، حَتَّى قَالَ:

يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ... ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ

يُعَرِّضُ بِالْأَنْصَارِ لِغِلْظَتِهِمُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَتْ قُرَيْشٌ قَوْلَهُ وَقَالُوا: لَمْ تَمْدَحْنَا إِذْ هَجَوْتَهُمْ، وَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَظُمَ عَلَى الْأَنْصَارِ هَجْوُهُ، فَشَكَوْهُ، فَقَالَ يَمْدَحُهُمْ:

مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ ... فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ

الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَسَطْوَةِ الْجَبَّارِ

يَتَطَهَّرُونَ كَأَنَّهُ نُسْكٌ لَهُمْ ... بِدِمَاءِ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْكُفَّارِ

فِي أَبْيَاتٍ. فَكَسَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ مُعَاوِيَةَ أَرْسَلَ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>