للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَالِدٌ: إِنَّ جِهَادَ الْفَرِيقَيْنِ جِهَادٌ، لَا تُخَالِفْ رَأْيَ أَصْحَابِكَ، وَامْضِ بِهِمْ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ لِقِتَالِهِمْ أَنْشَطُ، ثُمَّ تَعَبَّى لِقِتَالِهِمْ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى الْتَقَيَا عَلَى بُزَاخَةَ، وَبَنُو عَامِرٍ قَرِيبًا يَتَرَبَّصُونَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ، قَالَ: فَاقْتَتَلَ النَّاسُ عَلَى بُزَاخَةَ.

وَكَانَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ مَعَ طُلَيْحَةَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَطُلَيْحَةُ مُتَلَفِّفٌ فِي كِسَائِهِ يَتَنَبَّأُ لَهُمْ، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ كَرَّ عُيَيْنَةُ عَلَى طُلَيْحَةَ وَقَالَ لَهُ: هَلْ جَاءَكَ جِبْرَائِيلُ بَعْدُ؟ قَالَ: لَا، فَرَجَعَ فَقَاتَلَ، ثُمَّ كَرَّ عَلَى طُلَيْحَةَ فَقَالَ لَهُ: لَا أَبَا لَكَ! أَجَاءَكَ جِبْرَائِيلُ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: حَتَّى مَتَى؟ قَدْ وَاللَّهِ بَلَغَ مِنَّا! ثُمَّ رَجَعَ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ثُمَّ كَرَّ عَلَى طُلَيْحَةَ فَقَالَ: هَلْ جَاءَكَ جِبْرَائِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَاذَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: إِنَّ لَكَ رَحًا كَرَحَاهُ، وَحَدِيثًا لَا تَنْسَاهُ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ حَدِيثٌ لَا تَنْسَاهُ، انْصَرِفُوا يَا بَنِي فَزَارَةَ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، فَانْصَرَفُوا وَانْهَزَمَ النَّاسُ.

وَكَانَ طُلَيْحَةُ قَدْ أَعَدَّ فَرَسَهُ وَرَاحِلَتَهُ لِامْرَأَتِهِ النَّوَّارِ، فَلَمَّا غَشَوْهُ رَكِبَ فَرَسَهُ وَحَمَلَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ نَجَا بِهَا وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ فَزَارَةَ، مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَفْعَلَ هَكَذَا وَيَنْجُوَ بِامْرَأَتِهِ فَلْيَفْعَلْ. ثُمَّ انْهَزَمَ فَلَحِقَ بِالشَّامِ، ثُمَّ نَزَلَ عَلَى كَلْبٍ، فَأَسْلَمَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ أَسَدًا وَغَطَفَانَ قَدْ أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا فِي كَلْبٍ حَتَّى مَاتَ أَبُو بَكْرٍ.

وَكَانَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَمَرَّ بِجَنَبَاتِ الْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا طُلَيْحَةُ! فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِهِ؟ قَدْ أَسْلَمَ! ثُمَّ أَتَى عُمَرَ فَبَايَعَهُ حِينَ اسْتُخْلِفَ. فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ قَاتِلُ عُكَّاشَةَ وَثَابِتٍ؟ وَاللَّهِ لَا أُحِبُّكَ أَبَدًا! فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا يُهِمُّكَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَكْرَمَهُمَا اللَّهُ بِيَدِي، وَلَمْ يُهِنِّي بِأَيْدِيهِمَا! فَبَايَعَهُ عُمَرُ وَقَالَ لَهُ: مَا بَقِيَ مِنْ كَهَانَتِكَ؟ فَقَالَ؟ نَفْخَةٌ أَوْ نَفْخَتَانِ بِالْكِيرِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْعِرَاقِ.

وَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ طُلَيْحَةَ أُسِرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَقُدِمَ بِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ لَهُ وَهُوَ مَكْتُوفٌ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَكَفَرْتَ بَعْدَ إِيمَانِكَ؟ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا آمَنْتُ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. فَتَجَاوَزَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَحَقَنَ دَمَهُ.

وَأُخِذَ مِنْ أَصْحَابِ طُلَيْحَةَ رَجُلٌ كَانَ عَالِمًا بِهِ، فَسَأَلَهُ خَالِدٌ عَمَّا كَانَ يَقُولُ، فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>