للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ نَظَرْتُ فِيهِ فَرَأَيْتُ الْأَمْرَ يَتَأَتَّى لَهُمْ بِغَيْرِ سِيَاسَةٍ، وَإِذَا الْأَمْرُ لَا يَسُوسُهُ النَّاسُ، فَإِيَّاكُمْ وَمُنَاوَأَةَ قَوْمٍ صُنِعَ لَهُمْ، فَتَفَرَّقُوا وَادْخُلُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ. فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ الْبُطَاحَ بَثَّ السَّرَايَا، وَأَمَرَهُمْ بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يَأْتُوهُ بِكُلِّ مَنْ لَمْ يُجِبْ، وَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَكَانَ قَدْ أَوْصَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُؤَذِّنُوا إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا، فَإِنَّ أَذَّنَ الْقَوْمُ فَكُفُّوا عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنُوا فَاقْتُلُوا وَانْهَبُوا، وَإِنْ أَجَابُوكُمْ إِلَى دَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ فَسَائِلُوهُمْ عَنِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ أَقَرُّوا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلُوهُمْ.

قَالَ: فَجَاءَتْهُ الْخَيْلُ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، فَاخْتَلَفَتِ السَّرِيَّةُ فِيهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَكَانَ فِيمَنْ شَهِدَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذَّنُوا وَأَقَامُوا وَصَلَّوْا، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَمَرَ بِهِمْ فَحُبِسُوا فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، فَأَمَرَ خَالِدٌ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَدْفِئُوا أَسْرَاكُمْ، وَهِيَ فِي لُغَةِ كِنَانَةَ الْقَتْلُ، فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَتْلَ، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الدِّفْءَ، فَقَتَلُوهُمْ، فَقَتَلَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ مَالِكًا، وَسَمِعَ خَالِدٌ الْوَاعِيَةَ، فَخَرَجَ وَقَدْ فَرَغُوا مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَصَابَهُ، وَتَزَوَّجَ خَالِدٌ أُمَّ تَمِيمٍ امْرَأَةَ مَالِكٍ. فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: إِنَّ سَيْفَ خَالِدٍ فِيهِ رَهَقٌ، وَأَكْثَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: هِيهِ يَا عُمَرُ! تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ، فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْ خَالِدٍ، فَإِنِّي لَا أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ.

وَوَدَى مَالِكًا، وَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ وَقَدْ غَرَزَ فِي عِمَامَتِهِ أَسْهُمًا، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَنَزَعَهَا وَحَطَّمَهَا وَقَالَ لَهُ: قَتَلْتَ امْرَأً مُسْلِمًا، ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَاللَّهِ لَأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ! وَخَالِدٌ لَا يُكَلِّمُهُ، يَظُنُّ أَنْ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ مِثْلُهُ، وَدَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَعَذَرَهُ وَتَجَاوَزَ عَنْهُ، وَعَنَّفَهُ فِي التَّزْوِيجِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ كَرَاهَةِ أَيَّامِ الْحَرْبِ. فَخَرَجَ خَالِدٌ وَعُمَرُ جَالِسٌ فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ. فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَضِيَ عَنْهُ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا غَشَوْا مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ لَيْلًا - أَخَذُوا السِّلَاحَ فَقَالُوا: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ. فَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: وَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ. قَالُوا لَهُمْ: ضَعُوا السِّلَاحَ، فَوَضَعُوهُ ثُمَّ صَلَّوْا، وَكَانَ يَعْتَذِرُ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ قَالَ: مَا إِخَالُ صَاحِبَكُمْ إِلَّا قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ لَهُ: أَوَمَا تَعُدُّهُ لَكَ صَاحِبًا؟ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ.

وَقَدِمَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَطْلُبُ بِدَمِ أَخِيهِ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>