للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْ بَيْنِ مُرْتَدٍّ وَنَاجٍ وَمَقْتُولٍ وَمَأْسُورٍ، وَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَسْكَرِ، وَلَمْ يُفْلِتْ رَجُلٌ إِلَّا بِمَا عَلَيْهِ.

فَأَمَّا أَبْجَرُ فَأَفْلَتَ، وَأَمَّا الْحُطَمُ فَقُتِلَ، قَتَلَهُ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ التَّيْمِيُّ رِجْلَهُ. وَطَلَبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَسَرَ عَفِيفٌ الْمُنْذِرَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْغَرُورَ فَأَسْلَمَ. وَأَصْبَحَ الْعَلَاءُ فَقَسَّمَ الْأَنْفَالَ، وَنَفَّلَ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَاءِ ثِيَابًا، فَأَعْطَى ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ خَمِيصَةً ذَاتَ أَعْلَامٍ كَانَتْ لِلْحُطَمِ يُبَاهِي بِهَا. فَلَمَّا رَجَعَ ثُمَامَةُ بَعْدَ فَتْحِ دَارِينَ رَآهَا بَنُو قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ قَتَلْتَ الْحُطَمَ! فَقَالَ: لَمْ أَقْتُلْهُ، وَلَكِنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنَ الْمَغْنَمِ. فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ.

وَقَصَدَ عُظْمُ الْفُلَّالِ إِلَى دَارِينَ، فَرَكِبُوا إِلَيْهَا السُّفُنَ، وَلَحِقَ الْبَاقُونَ بِبِلَادِ قَوْمِهِمْ، فَكَتَبَ الْعَلَاءُ إِلَى مَنْ ثَبَتَ عَلَى إِسْلَامِهِ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، مِنْهُمْ عُتَيْبَةُ بْنُ النَّهَّاسِ وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ وَغَيْرُهُمَا، يَأْمُرُهُمْ بِالْقُعُودِ لِلْمُنْهَزِمِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَفَعَلُوا، وَجَاءَتْ رُسُلُهُمْ إِلَى الْعَلَاءِ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، فَنَدَبَ حِينَئِذٍ النَّاسَ إِلَى دَارِينَ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ أَرَاكُمُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ فِي الْبَرِّ لِتَعْتَبِرُوا بِهَا فِي الْبَحْرِ، فَانْهَضُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ وَاسْتَعْرِضُوا الْبَحْرَ.

وَارْتَحَلَ وَارْتَحَلُوا حَتَّى اقْتَحَمَ الْبَحْرَ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِيهِمُ الرَّاجِلُ، وَدَعَا وَدَعَوْا. وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يَا كَرِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا صَمَدُ، يَا حَيُّ، يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَا رَبَّنَا! فَاجْتَازُوا ذَلِكَ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللَّهِ يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ فَوْقَهَا مَاءٌ يَغْمُرُ أَخْفَافَ الْإِبِلِ، وَبَيْنَ السَّاحِلِ وَدَارِينَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِسُفُنِ الْبَحْرِ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، وَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ الْقَتْلَ فِيهِمْ فَمَا تَرَكُوا بِهَا مُخْبِرًا وَغَنِمُوا وَسَبَوْا، فَلَمَّا فَرَغُوا رَجَعُوا حَتَّى عَبَرُوا، وَضَرَبَ الْإِسْلَامُ فِيهَا بِجِرَانِهِ.

وَكَتَبَ الْعَلَاءُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يُعَرِّفُهُ هَزِيمَةَ الْمُرْتَدِّينَ وَقَتْلَ الْحُطَمِ. وَكَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ رَاهِبٌ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ، فَأَسْلَمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ خَشِيتُ أَنْ يَمْسَخَنِي اللَّهُ بَعْدَهَا: فَيْضٌ فِي الرِّمَالِ، وَتَمْهِيدُ أَثْبَاجِ الْبَحْرِ، وَدُعَاءٌ سَمِعْتُهُ فِي عَسْكَرِهِمْ فِي الْهَوَاءِ سَحَرًا: اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، لَا إِلَهَ غَيْرُكَ، وَالْبَدِيعُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَالدَّائِمُ غَيْرُ الْغَافِلِ، الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَخَالِقُ مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، وَكُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>