للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو عُبَيْدٍ فَجَعَلَ الْمُثَنَّى عَلَى الْخَيْلِ، وَكَانَ عَلَى مُجَنِّبَتِي جَابَانَ جِشْنَسَ مَاهْ وَمَرْدَانْشَاهْ، فَاقْتَتَلُوا بِالنَّمَارِقِ قِتَالًا شَدِيدًا، فَهَزَمَ اللَّهُ أَهْلَ فَارِسَ وَأُسِرَ جَابَانُ، أَسَرَهُ مَطَرُ بْنُ فِضَّةَ التَّيْمِيُّ، وَأُسِرَ مَرْدَانْشَاهْ، أَسَرَهُ أَكْتَلُ بْنُ شَمَّاخٍ الْعُكْلِيُّ فَقَتَلَهُ.

وَأَمَّا جَابَانُ فَإِنَّهُ خَدَعَ مَطَرًا وَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تُؤَمِّنَنِي وَأُعْطِيكَ غُلَامَيْنِ أَمْرَدَيْنِ خَفِيفَيْنِ فِي عَمَلِكَ، وَكَذَا وَكَذَا؟ فَفَعَلَ، فَخَلَّى عَنْهُ، فَأَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَتَوْا بِهِ أَبَا عُبَيْدٍ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ جَابَانُ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ. فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ أَنْ أَقْتُلَهُ وَقَدْ آمَنُهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، وَالْمُسْلِمُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، مَا لَزِمَ بَعْضَهُمْ فَقَدْ لَزِمَ كُلَّهُمْ، وَتَرَكُوهُ. وَأَرْسَلَ فِي طَلَبِ الْمُنْهَزِمِينَ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ عَسْكَرَ نَرْسِي، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ.

(أَكْتَلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْكَافِ، وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقِهَا، وَفِي آخِرِهِ لَامٌ) .

[ذِكْرُ وَقْعَةِ السَّقَاطِيَّةِ بِكَسْكَرَ]

وَلَحِقَ الْمُنْهَزِمُونَ نَحْوَ كَسْكَرَ وَبِهَا نَرْسِي، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ الْمَلِكِ، وَكَانَ لَهُ النِّرْسَيَانُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ يَحْمِيهِ، لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا مَلِكُ الْفُرْسِ أَوْ مَنْ أَكْرَمُوهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَغْرِسُهُ غَيْرُهُمْ، وَاجْتَمَعَ إِلَى النَّرْسِي الْفَالَّةُ، وَهُوَ فِي عَسْكَرِهِ، فَسَارَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّمَارِقِ، وَكَانَ عَلَى مُجَنِّبَتَيْ نَرْسِي بِنَدْوَيْهِ وَتِيرَوَيْهِ ابْنَا بِسْطَامَ خَالِ الْمَلِكِ، وَمَعَهُ أَهْلُ بَارُوسْمَا وَالزَّوَابِي. وَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ بُورَانَ وَرُسْتُمَ بِهَزِيمَةِ جَابَانَ بَعَثَا الْجَالِينُوسَ إِلَى نَرْسِي، فَلَحِقَهُ قَبْلَ الْحَرْبِ، فَعَاجَلَهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ، فَالْتَقَوْا أَسْفَلَ مِنْ كَسْكَرَ، بِمَكَانٍ يُدْعَى السَّقَاطِيَّةَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ثُمَّ انْهَزَمَتْ فَارِسُ وَهَرَبَ نَرْسِي، وَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَسْكَرِهِ وَأَرْضِهِ وَجَمَعُوا الْغَنَائِمَ، فَرَأَى أَبُو عُبَيْدٍ مِنَ الْأَطْعِمَةِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَنَفَّلَهُ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَأَخَذُوا النِّرْسِيَانَ فَأَطْعَمُوهُ الْفَلَّاحِينَ، وَبَعَثُوا بِخُمُسِهِ إِلَى عُمَرَ وَكَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَنَا مَطَاعِمَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ تَحْمِيهَا، وَأَحْبَبْنَا أَنْ تَرَوْهَا؛ لِتَشْكُرُوا إِنْعَامَ اللَّهِ وَإِفْضَالَهُ. وَأَقَامَ أَبُو عُبَيْدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>