للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَغْنَى كُلُّ قَوْمٍ مَا يَلِيهِمْ، وَأَنْتُمْ تَنْتَظِرُونَ مَنْ يَكْفِيكُمْ، أَشْهَدُ مَا أَحْسَنْتُمْ أُسْوَةَ قَوْمِكُمْ مِنَ الْعَرَبِ. فَنَهَدَ وَنَهَدُوا، فَأَزَالُوا الَّذِينَ بِإِزَائِهِمْ. فَلَمَّا رَأَى الْفُرْسُ مَا يَلْقَى النَّاسُ وَالْفِيَلَةُ مِنْ أَسَدٍ رَمَوْهُمْ بِحَدِّهِمْ وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ ذُو الْحَاجِبِ، وَالْجَالِينُوسُ. وَالْمُسْلِمُونَ يَنْتَظِرُونَ التَّكْبِيرَةَ الرَّابِعَةَ مِنْ سَعْدٍ، فَاجْتَمَعَتْ حَلْبَةُ فَارِسَ عَلَى أَسَدٍ وَمَعَهُمْ تِلْكَ الْفِيَلَةُ، فَثَبَتُوا لَهُمْ، وَكَبَّرَ سَعْدٌ الرَّابِعَةَ، وَزَحَفَ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَرَحَا الْحَرْبِ تَدُورُ عَلَى أَسَدٍ، وَحَمَلَتِ الْفُيُولُ عَلَى الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ فَكَانَتِ الْخُيُولُ تَحِيدُ عَنْهَا.

فَأَرْسَلَ سَعْدٌ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو التَّمِيمِيِّ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي تَمِيمٍ، أَمَا عِنْدَكُمْ لِهَذِهِ الْفِيَلَةِ مِنْ حِيلَةٍ؟ قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ! ثُمَّ نَادَى فِي رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ رُمَاةٍ، وَآخَرِينَ لَهُمْ ثَقَافَةٌ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّمَاةِ، ذُبُّوا رُكْبَانَ الْفِيَلَةِ عَنْهُمْ بِالنَّبْلِ. وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الثَّقَافَةِ، اسْتَدْبِرُوا الْفِيَلَةَ فَقَطِّعُوا وُضُنَهَا، وَخَرَجَ يَحْمِيهِمْ، وَرَحَا الْحَرْبِ تَدُورُ عَلَى أَسَدٍ، وَقَدْ جَالَتِ الْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ غَيْرَ بَعِيدٍ، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ عَاصِمٍ عَلَى الْفِيَلَةِ فَأَخَذُوا بِأَذْنَابِ تَوَابِيتِهَا، فَقَطَعُوا وُضُنَهَا، وَارْتَفَعَ عُوَاؤُهُمْ، فَمَا بَقِيَ لَهُمْ فِيلٌ إِلَّا أَوَى، وَقُتِلَ أَصْحَابُهَا، وَنُفِّسَ عَنْ أَسَدٍ، وَرَدُّوا فَارِسَ عَنْهُمْ إِلَى مَوَاقِفِهِمْ، وَاقْتَتَلُوا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ حَتَّى ذَهَبَتْ هَدْأَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَأُصِيبَ مِنْ أَسَدٍ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ خَمْسُمِائَةٍ، وَكَانُوا رِدْءًا لِلنَّاسِ، وَكَانَ عَاصِمٌ حَامِيَةً لِلنَّاسِ، وَهَذَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ يَوْمُ أَرْمَاثَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ شَأْسٍ الْأَسَدِيُّ:

جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَكْنَافِ نِيقٍ ... إِلَى كِسْرَى فَوَافَقَهَا رِعَالَا

تَرَكْنَ لَهُمْ عَلَى الْأَقْسَامِ شَجْوًا ... وَبِالْحَقْوَيْنِ أَيَّامًا طِوَالَا

قَتَلْنَا رُسْتُمًا وَبَنِيهِ قَسْرًا ... تُشِيرُ الْخَيْلُ فَوْقَهُمُ الْهَيَالَا

الْأَبْيَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>