للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ، وَتَرْكًا لِلتَّأْوِيلِ الْمُخَالِفِ لِلظَّاهِرِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلِ الَّذِينَ صَلَّوْهَا فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا حَازُوا قَصَبَ السَّبْقِ، وَكَانُوا أَسْعَدَ بِالْفَضِيلَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ بَادَرُوا إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي الْخُرُوجِ، وَبَادَرُوا إِلَى مَرْضَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ بَادَرُوا إِلَى اللِّحَاقِ بِالْقَوْمِ، فَحَازُوا فَضِيلَةَ الْجِهَادِ، وَفَضِيلَةَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَفَهِمُوا مَا يُرَادُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَفْقَهَ مِنَ الْآخَرِينَ، وَلَا سِيَّمَا تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ وَلَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَمَجِيءُ السُّنَّةِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا، وَالتَّبْكِيرِ بِهَا، وَأَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ فَقَدْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، أَوْ قَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، فَالَّذِي جَاءَ فِيهَا أَمْرٌ لَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا، وَأَمَّا الْمُؤَخِّرُونَ لَهَا، فَغَايَتُهُمْ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ، بَلْ مَأْجُورُونَ أَجْرًا وَاحِدًا لِتَمَسُّكِهِمْ بِظَاهِرِ النَّصِّ، وَقَصْدِهِمُ امْتِثَالَ الْأَمْرِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونُوا هُمُ الْمُصِيبِينَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَنْ بَادَرَ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِلَى الْجِهَادِ مُخْطِئًا، فَحَاشَا وَكَلَّا، وَالَّذِينَ صَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ، جَمَعُوا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَحَصَّلُوا الْفَضِيلَتَيْنِ، فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَالْآخَرُونَ مَأْجُورُونَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

فَإِنْ قِيلَ: كَانَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِلْجِهَادِ حِينَئِذٍ جَائِزًا مَشْرُوعًا، وَلِهَذَا كَانَ عَقِبَ تَأْخِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إِلَى اللَّيْلِ، فَتَأْخِيرُهُمْ صَلَاةَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ، كَتَأْخِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ إِلَى اللَّيْلِ سَوَاءٌ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِ صَلَاةِ الْخَوْفِ.

قِيلَ: هَذَا سُؤَالٌ قَوِيٌّ، وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا كَانَ جَائِزًا بَعْدَ بَيَانِ الْمَوَاقِيتِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا قِصَّةُ الْخَنْدَقِ، فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>