للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا تَظُنَّنَّ بِنَفْسِكَ قَطُّ خَيْرًا

وَكَيْفَ بِظَالِمٍ جَانٍ جَهُولِ ... وَقُلْ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلِّ سُوءٍ

أَيُرْجَى الْخَيْرُ مِنْ مَيْتٍ بَخِيلِ ... وَظُنَّ بِنَفْسِكَ السُّوأَى تَجِدْهَا

كَذَاكَ وَخَيْرُهَا كَالْمُسْتَحِيلِ ... وَمَا بِكَ مِنْ تُقًى فِيهَا وَخَيْرٍ

فَتِلْكَ مَوَاهِبُ الرَّبِّ الْجَلِيلِ ... وَلَيْسَ بِهَا وَلَا مِنْهَا وَلَكِنْ

مِنَ الرَّحْمَنِ فَاشْكُرْ لِلدَّلِيلِ

وَالْمَقْصُودِ مَا سَاقَنَا إِلَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: ١٥٤] [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٤] ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي صَدَرَ عَنْ ظَنِّهِمُ الْبَاطِلِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: {هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} [آل عمران: ١٥٤] [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٤] ، وَقَوْلُهُمْ: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: ١٥٤] [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٤] ، فَلَيْسَ مَقْصُودُهُمْ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ إثْبَاتَ الْقَدَرِ وَرَدَّ الْأَمْرِ كُلِّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَقْصُودَهُمْ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى لَمَا ذُمُّوا عَلَيْهِ، وَلَمَا حَسُنَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤] . [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ] ، وَلَا كَانَ مَصْدَرُ هَذَا الْكَلَامِ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ ظَنَّهُمُ الْبَاطِلَ هَاهُنَا: هُوَ التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ وَظَنُّهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ إلَيْهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ تَبَعًا لَهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْهُمْ لَمَا أَصَابَهُمُ الْقَتْلُ، وَلَكَانَ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ لَهُمْ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الظَّنِّ الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ ظَنُّ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الظَّنُّ الْمَنْسُوبُ إِلَى أَهْلِ الْجَهْلِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ بَعْدَ نَفَاذِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ نَفَاذِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى دَفْعِهِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ إلَيْهِمْ لَمَا نَفَذَ الْقَضَاءُ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤] ، فَلَا يَكُونُ إلَّا مَا سَبَقَ بِهِ قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ، وَجَرَى بِهِ عِلْمُهُ وَكِتَابُهُ السَّابِقُ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَلَا بُدَّ، شَاءَ النَّاسُ أَمْ أَبَوْا، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، شَاءَهُ النّاسُ أَمْ لَمْ يَشَاءُوهُ، وَمَا جَرَى عَلَيْكُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ وَالْقَتْلِ فَبِأَمْرِهِ الْكَوْنِيِّ الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ لَكُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ، وَأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَقَدْ كُتِبَ الْقَتْلُ عَلَى بَعْضِكُمْ لَخَرَجَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ مِنْ بُيُوتِهِمْ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلَا بُدَّ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>