للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكَلُّمُ الْمُنَافِقِينَ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ فَسَمِعَهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَسَمِعُوا رَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَجَوَابَهُ لَهُمْ، وَعَرَفُوا مُؤَدَّى النِّفَاقِ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَكَيْفَ يُحْرَمُ صَاحِبُهُ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَيَعُودُ عَلَيْهِ بِفَسَادِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَلَّهِ كَمْ مِنْ حِكْمَةٍ فِي ضِمْنِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَالِغَةٍ وَنِعْمَةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَابِغَةٍ، وَكَمْ فِيهَا مِنْ تَحْذِيرٍ وَتَخْوِيفٍ وَإِرْشَادٍ وَتَنْبِيهٍ وَتَعْرِيفٍ بِأَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمَا لَهُمَا وَعَاقِبَتُهُمَا!

ثُمَّ عَزَّى نَبِيَّهُ وَأَوْلِيَاءَهُ عَمَّنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِي سَبِيلِهِ أَحْسَنَ تَعْزِيَةٍ وَأَلْطَفَهَا، وَأَدْعَاهَا إِلَى الرِّضَى بِمَا قَضَاهُ لَهَا، فَقَالَ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ - فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠] [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٩ - ١٧٠] ، فَجَمَعَ لَهُمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ مَنْزِلَةَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَأَنَّهُمْ عِنْدَهُ، وَجَرَيَانَ الرِّزْقِ الْمُسْتَمِرِّ عَلَيْهِمْ، وَفَرَحَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَهُوَ فَوْقَ الرِّضَى بَلْ هُوَ كَمَالُ الرِّضَى، وَاسْتِبْشَارُهُمْ بِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ بِاجْتِمَاعِهِمْ بِهِمْ يَتِمُّ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ وَاسْتِبْشَارُهُمْ بِمَا يُجَدِّدُ لَهُمْ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ نِعْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ.

وَذَكَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمِحْنَةِ بِمَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِهِ وَنِعَمِهِ عَلَيْهِمُ الَّتِي إنْ قَابَلُوا بِهَا كُلَّ مِحْنَةٍ تَنَالُهُمْ وَبَلِيَّةٍ تَلَاشَتْ فِي جَنْبِ هَذِهِ الْمِنَّةِ وَالنِّعْمَةِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ الْبَتَّةَ.

وَهِي مِنَّتُهُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ رَسُولٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ إلَيْهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُنْقِذُهُمْ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْلَ إرْسَالِهِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الشَّقَاءِ إِلَى الْفَلَاحِ، وَمِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى النُّورِ، وَمِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، فَكُلُّ بَلِيَّةٍ وَمِحْنَةٍ تَنَالُ الْعَبْدَ بَعْدَ حُصُولِ هَذَا الْخَيْرِ الْعَظِيمِ لَهُ أَمْرٌ يَسِيرٌ جِدًّا فِي جَنْبِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ كَمَا يَنَالُ النَّاسَ بِأَذَى الْمَطَرِ فِي جَنْبِ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ سَبَبَ الْمُصِيبَةِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ لِيَحْذَرُوا، وَأَنّهَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، لِيُوَحِّدُوا وَيَتَّكِلُوا، وَلَا يَخَافُوا غَيْرَهُ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ لِئَلَّا يَتَّهِمُوهُ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَلِيَتَعَرَّفَ إلَيْهِمْ بِأَنْوَاعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَسَلَّاهُمْ بِمَا أَعْطَاهُمْ مِمَّا هُوَ أَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْظَمُ خَطَرًا مِمَّا فَاتَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالْغَنِيمَةِ، وَعَزَّاهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>