للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَمَحَّضَتْ، وَاسْتَشْرَفَتْ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمَ اسْتِشْرَافٍ إِلَى مَا يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ فِيهَا، وَتَطَلَّعَتْ إِلَى ذَلِكَ غَايَةَ التَّطَلُّعِ، فَوَافَى الْوَحْيُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَالصِّدِّيقُ وَأَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ وُرُودَ الْغَيْثِ عَلَى الْأَرْضِ أَحْوَجَ مَا كَانَتْ إلَيْهِ، فَوَقَعَ مِنْهُمْ أَعْظَمَ مَوْقِعٍ وَأَلْطَفَهُ، وَسُرُّوا بِهِ أَتَمَّ السُّرُورِ، وَحَصَلَ لَهُمْ بِهِ غَايَةُ الْهَنَاءِ، فَلَوْ أَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَأَنْزَلَ الْوَحْيَ عَلَى الْفَوْرِ بِذَلِكَ لَفَاتَتْ هَذِهِ الْحِكَمُ، وَأَضْعَافُهَا بَلْ أَضْعَافُ أَضْعَافِهَا.

إظْهَارُ اللَّهِ مَنْزِلَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ عِنْدَهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَبَّ أَنْ يُظْهِرَ مَنْزِلَةَ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عِنْدَهُ وَكَرَامَتَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُخْرِجَ رَسُولَهُ عَنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَيَتَوَلَّى هُوَ بِنَفْسِهِ الدِّفَاعَ وَالْمُنَافَحَةَ عَنْهُ وَالرَّدَّ عَلَى أَعْدَائِهِ وَذَمِّهِمْ وَعَيْبِهِمْ بِأَمْرٍ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَمَلٌ وَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ الْمُتَوَلِّيَ لِذَلِكَ الثَّائِرَ لِرَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْأَذَى، وَالَّتِي رُمِيَتْ زَوْجَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَرَاءَتِهَا مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ الظَّنَّ الْمُقَارِبَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَتِهَا، وَلَمْ يَظُنَّ بِهَا سُوءًا قَطُّ وَحَاشَاهُ وَحَاشَاهَا، وَلِذَلِكَ لَمَّا اسْتَعْذَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ قَالَ: ( «مَنْ يَعْذِرُنِي فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي» ) ، فَكَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَشْهَدُ بِبَرَاءَةِ الصِّدِّيقَةِ أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لِكَمَالِ صَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ وَرِفْقِهِ وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ وَثِقَتِهِ بِهِ، وَفَّى مَقَامَ الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ حَقَّهُ حَتَّى جَاءَهُ الْوَحْيُ بِمَا أَقَرَّ عَيْنَهُ، وَسَرَّ قَلْبَهُ وَعَظَّمَ قَدْرَهُ وَظَهَرَ لِأُمَّتِهِ احْتِفَالُ رَبِّهِ بِهِ وَاعْتِنَاؤُهُ بِشَأْنِهِ.

وَلَمَّا جَاءَ الْوَحْيُ بِبَرَاءَتِهَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ صَرَّحَ بِالْإِفْكِ، فَحُدُّوا ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ، وَلَمْ يَحُدِّ الْخَبِيثَ عبد الله بن أبي مَعَ أَنَّهُ رَأْسُ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَقِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>