للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ دَخَلُوهَا دَخَلُوهَا طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي ظَنِّهِمْ، فَكَانُوا مُتَأَوِّلِينَ مُخْطِئِينَ، فَكَيْفَ يُخَلَّدُونَ فِيهَا؟ قِيلَ: لَمَّا كَانَ إِلْقَاءُ نُفُوسِهِمْ فِي النَّارِ مَعْصِيَةً يَكُونُونَ بِهَا قَاتِلِي أَنْفُسِهِمْ، فَهَمُّوا بِالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ مِنْهُمْ: هَلْ هُوَ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ؟ كَانُوا مُقْدِمِينَ عَلَى مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَسُوغُ طَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَكَانَتْ طَاعَةُ مَنْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ النَّارِ مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكَانَتْ هَذِهِ الطَّاعَةُ هِيَ سَبَبَ الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا نَفْسُ الْمَعْصِيَةِ، فَلَوْ دَخَلُوهَا لَكَانُوا عُصَاةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ كَانُوا مُطِيعِينَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، فَلَمْ تَدْفَعْ طَاعَتُهُمْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مَعْصِيَتَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْوَعِيدِ، وَاللَّهُ قَدْ نَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى هَذَا النَّهْيِ طَاعَةً لِمَنْ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ إِلَّا فِي الْمَعْرُوفِ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ مَنْ عَذَّبَ نَفْسَهُ طَاعَةً لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، فَكَيْفَ مَنْ عَذَّبَ مُسْلِمًا لَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ طَاعَةً لِوَلِيِّ الْأَمْرِ.

وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ لَوْ دَخَلُوهَا لَمَا خَرَجُوا مِنْهَا مَعَ قَصْدِهِمْ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِذَلِكَ الدُّخُولِ، فَكَيْفَ بِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الطَّاعَةِ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ.

وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ لَوْ دَخَلُوهَا لَمَا خَرَجُوا مِنْهَا، مَعَ كَوْنِهِمْ قَصَدُوا طَاعَةَ الْأَمِيرِ، وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُلَبِّسِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>