للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ، وَكَذَلِكَ الْهِجْرَةُ كَانَتْ مُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيِ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ أَسْرَارَ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ، رَأَى مِنْ ذَلِكَ مَا تَبْهَرُ حِكْمَتُهُ الْأَلْبَابَ.

[فصل أَنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ إِذَا حَارَبُوا مَنْ هُمْ فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَجِوَارِهِ وَعَهْدِهِ صَارُوا حَرْبًا لَهُ بِذَلِكَ]

فَصْلٌ

وَفِيهَا: أَنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ إِذَا حَارَبُوا مَنْ هُمْ فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَجِوَارِهِ وَعَهْدِهِ صَارُوا حَرْبًا لَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ، فَلَهُ أَنْ يُبَيَّتَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِعْلَامُ إِذَا خَافَ مِنْهُمُ الْخِيَانَةَ، فَإِذَا تَحَقَّقَهَا صَارُوا نَابِذِينَ لِعَهْدِهِ.

[فصل في انْتِقَاضُ عَهْدِ الرِّدْءِ وَالْمُبَاشِرِينَ إِذَا رَضُوا بِذَلِكَ]

فَصْلٌ

وَفِيهَا: انْتِقَاضُ عَهْدِ جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ، رِدْئِهِمْ وَمُبَاشِرِيهِمْ، إِذَا رَضُوا بِذَلِكَ، وَأَقَرُّوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ فَإِنَّ الَّذِينَ أَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْضُهُمْ، لَمْ يُقَاتِلُوا كُلُّهُمْ مَعَهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَغَزَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي عَقْدِ الصُّلْحِ تَبَعًا، وَلَمْ يَنْفَرِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِصُلْحٍ، إِذْ قَدْ رَضُوا بِهِ وَأَقَرُّوا عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ نَقْضِهِمْ لِلْعَهْدِ، هَذَا هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا تَرَى.

وَطَرْدُ هَذَا جَرَيَانُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى نَاقِضِي الْعَهْدِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إِذَا رَضِيَ جَمَاعَتُهُمْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنْقُضُ عَهْدَهُ، كَمَا أَجْلَى عمر يَهُودَ خَيْبَرٍ لَمَّا عَدَا بَعْضُهُمْ عَلَى ابْنِهِ وَرَمَوْهُ مِنْ ظَهْرِ دَارٍ فَفَدَعُوا يَدَهُ، بَلْ قَدْ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعَ مُقَاتِلَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ هَلْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ أَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ كُلَّهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي هَمَّ بِالْقَتْلِ رَجُلَانِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِبَنِي قَيْنُقَاعَ حَتَّى اسْتَوْهَبَهُمْ مِنْهُ عبد الله بن أبي، فَهَذِهِ سِيرَتُهُ وَهَدْيُهُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ أَجَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّدءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ وَلَا فِي الثَّوَابِ مُبَاشَرَةُ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ الْقِتَالَ.

وَهَذَا حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، حُكْمُ رِدْئِهِمْ حُكْمُ مُبَاشِرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ إِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>