للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَأَمَّلْ فِي حَالِ إِبْلِيسَ لَمَّا كَانَتِ الْمَادَّةُ الْمُهْلِكَةُ كَامِنَةً فِي نَفْسِهِ، لَمْ يَنْتَفِعْ مَعَهَا بِمَا سَلَفَ مِنْ طَاعَاتِهِ، وَرَجَعَ إِلَى شَاكِلَتِهِ وَمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَأَضْرَابُهُ وَأَشْكَالُهُ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَى السَّرَائِرِ، وَالْمَقَاصِدِ، وَالنِّيَّاتِ، وَالْهِمَمِ، فَهِيَ الْإِكْسِيرُ الَّذِي يَقْلِبُ نُحَاسَ الْأَعْمَالِ ذَهَبًا، أَوْ يَرُدُّهَا خَبَثًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَمَنْ لَهُ لُبٌّ وَعَقْلٌ يَعْلَمُ قَدْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشِدَّةَ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا وَانْتِفَاعِهِ بِهَا، وَيَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى بَابٍ عَظِيمٍ مِنْ أَبْوَابِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَحِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ وَأَحْكَامِ الْمُوَازَنَةِ، وَإِيصَالِ اللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ إِلَى الرُّوحِ وَالْبَدَنِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَتَفَاوُتِ الْمَرَاتِبِ فِي ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ مُقْتَضِيَةٍ بَالِغَةٍ مِمَّنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.

[فصل في جَوَازُ مُبَاغَتَةِ الْمُعَاهَدِينَ إِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ]

فَصْلٌ

وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ جَوَازُ مُبَاغَتَةِ الْمُعَاهَدِينَ إِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَالْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ، وأَلَّا يُعْلِمَهُمْ بِمَسِيرِهِ إِلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَا دَامُوا قَائِمِينَ بِالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ.

[فصل في اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ لِرُسُلِ الْعَدُوِّ إِذَا جَاءُوا إِلَى الْإِمَامِ]

فَصْلٌ

وَفِيهَا: جَوَازُ بَلِ اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتِهُمْ وَشَوْكَتِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ لِرُسُلِ الْعَدُوِّ، إِذَا جَاءُوا إِلَى الْإِمَامِ، كَمَا يَفْعَلُ مُلُوكُ الْإِسْلَامِ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِيقَادِ النِّيرَانِ لَيْلَةَ الدُّخُولِ إِلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَ العباس أَنْ يَحْبِسَ أبا سفيان عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، وَهُوَ مَا تَضَايَقَ مِنْهُ، حَتَّى عُرِضَتْ عَلَيْهِ عَسَاكِرُ الْإِسْلَامِ وَعِصَابَةُ التَّوْحِيدِ وَجُنْدُ اللَّهِ، وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ خَاصِكِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ فِي السِّلَاحِ مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَأَخْبَرَ قُرَيْشًا بِمَا رَأَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>