للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُحَارَبَةَ بِسَبِّ نَبِيِّنَا أَعْظَمُ أَذِيَّةً وَنِكَايَةً لَنَا مِنَ الْمُحَارَبَةِ بِالْيَدِ، وَمَنْعِ دِينَارِ جِزْيَةٍ فِي السَّنَةِ، فَكَيْفَ يُنْقَضُ عَهْدُهُ وَيُقْتَلُ بِذَلِكَ دُونَ السَّبِّ، وَأَيُّ نِسْبَةٍ لِمَفْسَدَةِ مَنْعِهِ دِينَارًا فِي السَّنَةِ إِلَى مَفْسَدَةِ مَنْعِ مُجَاهَرَتِهِ بِسَبِّ نَبِيِّنَا أَقْبَحَ سَبٍّ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، بَلْ لَا نِسْبَةَ لِمَفْسَدَةِ مُحَارَبَتِهِ بِالْيَدِ إِلَى مَفْسَدَةِ مُحَارَبَتِهِ بِالسَّبِّ، فَأَوْلَى مَا انْتَقَضَ بِهِ عَهْدُهُ وَأَمَانُهُ سَبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِشَيْءٍ أَعْظَمَ مِنْهُ إِلَّا سَبَّهُ الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ، فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَمُقْتَضَى النُّصُوصِ، وَإِجْمَاعُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ دَلِيلًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتُلْ عبد الله بن أبي، وَقَدْ قَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلَمْ يَقْتُلْ ذا الخويصرة التميمي، وَقَدْ قَالَ لَهُ: اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، وَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ قَالَ لَهُ: يَقُولُونَ إِنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْغَيِّ، وَتَسْتَخْلِي بِهِ، وَلَمْ يَقْتُلِ الْقَائِلَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، وَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ قَالَ لَهُ لَمَّا حَكَمَ لِلزُّبَيْرِ بِتَقْدِيمِهِ فِي السَّقْيِ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ كَانَ يَبْلُغُهُ عَنْهُمْ أَذًى لَهُ وَتَنَقُّصٌ.

قِيلَ: الْحَقُّ كَانَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ، كَمَا أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ تَعَالَى بَعْدَ وُجُوبِهِ، كَيْفَ وَقَدْ كَانَ فِي تَرْكِ قَتْلِ مَنْ ذَكَرْتُمْ وَغَيْرِهِمْ مَصَالِحُ عَظِيمَةٌ فِي حَيَاتِهِ، زَالَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، مِنْ تَأْلِيفِ النَّاسِ، وَعَدَمِ تَنْفِيرِهِمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَوْ بَلَغَهُمْ أَنَّهُ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ لَنَفَرُوا، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا بِعَيْنِهِ، وَقَالَ لعمر لَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ عبد الله بن أبي: ( «لَا يَبْلُغُ النَّاسَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>