للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابن البناء فِي " خِصَالِهِ ".

الثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا أَنْبَتَهُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ غَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ، وَبَيْنَ مَا أَنْبَتَهُ فِي الْحَرَمِ أَوَّلًا، فَالْأَوَّلُ: لَا جَزَاءَ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا يُقْلَعُ وَفِيهِ الْجَزَاءُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي.

وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُنْبِتُ الْآدَمِيُّ جِنْسَهُ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَالنَّخْلِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يُنْبِتُ الْآدَمِيُّ جِنْسَهُ كَالدَّوْحِ وَالسَّلَمِ وَنَحْوِهِ، فَالْأَوَّلُ يَجُوزُ قَلْعُهُ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ الْجَزَاءُ.

قَالَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي ": وَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي تَحْرِيمِ الشَّجَرِ كُلِّهِ، إِلَّا مَا أَنْبَتَ الْآدَمِيُّ مِنْ جِنْسِ شَجَرِهِمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا أَنْبَتُوهُ مِنَ الزَّرْعِ وَالْأَهْلِيِّ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّنَا إِنَّمَا أَخْرَجْنَا مِنَ الصَّيْدِ مَا كَانَ أَصْلُهُ إِنْسِيًّا دُونَ مَا تَأَنَّسَ مِنَ الْوَحْشِيِّ، كَذَا هَاهُنَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِاخْتِيَارِ هَذَا الْقَوْلِ الرَّابِعِ، فَصَارَ فِي مَذْهَبِ أحمد أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.

وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ جِدًّا فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّوْكِ وَالْعَوْسَجِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ بِطَبْعِهِ، فَأَشْبَهَ السِّبَاعَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أبي الخطاب وابن عقيل، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عطاء ومجاهد وَغَيْرِهِمَا. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «لَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ) وَفِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: ( «لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا» ) صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، فَإِنَّ تِلْكَ تَقْصِدُ بِطَبْعِهَا الْأَذَى، وَهَذَا لَا يُؤْذِي مَنْ لَمْ يَدْنُ مِنْهُ.

وَالْحَدِيثُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ، وَلَكِنْ قَدْ جَوَّزُوا قَطْعَ الْيَابِسِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ، وَعَلَى هَذَا فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْأَخْضَرَ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَنْفِيرِ الصَّيْدِ، وَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْيَابِسِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ الَّتِي تُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهَا، وَلِهَذَا غَرَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>