للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَلَا قَبْلَ فَرَاغِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ نَاوِيًا لِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرِ مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ، أَوْ قَبْلَ تَمَامِهِ، لَمْ يَتَوَقَّفِ اسْتِثْنَاؤُهُ لَهُ عَلَى سُؤَالِ العباس لَهُ ذَلِكَ، وَإِعْلَامِهِ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، وَنَظِيرُ هَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسهيل بن بيضاء مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ، بَعْدَ أَنْ ذَكَّرَهُ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: ( «لَا يَنْفَلِتَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ» ) فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ: " إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ " وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ فِي الصُّورَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ.

وَنَظِيرُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْمَلَكِ لِسُلَيْمَانَ لَمَّا قَالَ: ( «لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَقُلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَجْمَعُونَ، وَفِي لَفْظٍ لَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ» ) فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَنَفَعَهُ، وَمَنْ يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ يَقُولُ لَا يَنْفَعُهُ.

وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثَلَاثًا، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ) فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ بَعْدَ سُكُوتٍ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إِنْشَاءَ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكَلَامِ وَالسُّكُوتِ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَصَّ أحمد عَلَى جَوَازِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ، وَالْمُصِيرُ إِلَى مُوجَبِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ أَوْلَى. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>