للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ تَكَايَسَ فِي الْجَوَابِ، بِأَنْ قَالَ: الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ، فَيُقَالُ لِهَذَا الْغَالِطِ: بَقِيَ عَلَيْكَ قِسْمٌ آخَرُ - وَهُوَ الْحَقُّ - أَنَّهُ قَدْ قَدَّرَ لَهُ مَطْلُوبَهُ بِسَبَبٍ إِنْ تَعَاطَاهُ حَصَلَ لَهُ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ عَطَّلَ السَّبَبَ فَاتَهُ الْمَطْلُوبُ، وَالدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَمَا مِثْلُ هَذَا الْغَالِطِ إِلَّا مِثْلُ مَنْ يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ قَدَّرَ لِيَ الشَّبَعَ فَأَنَا أَشْبَعُ أَكَلْتُ أَوْ لَمْ آكُلْ، إِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لِيَ الشَّبَعَ لَمْ أَشْبَعْ أَكَلْتُ أَوْ لَمْ آكُلْ فَمَا فَائِدَةُ الْأَكْلِ؟ وَأَمْثَالُ هَذِهِ التُّرَّهَاتِ الْبَاطِلَةِ الْمُنَافِيَةِ لِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فصل هَلِ الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ]

فَصْلٌ

وَفِيهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطَ لصفوان فِي الْعَارِيَةِ الضَّمَانَ، فَقَالَ: ( «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» ) ، فَهَلْ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ شَرْعِهِ فِي الْعَارِيَةِ، وَوَصْفٌ لَهَا بِوَصْفٍ شَرَعَهُ اللَّهُ فِيهَا، وَأَنَّ حُكْمَهَا الضَّمَانُ، كَمَا يُضْمَنُ الْمَغْصُوبُ، أَوْ إِخْبَارٌ عَنْ ضَمَانِهَا بِالْأَدَاءِ بِعَيْنِهَا، وَمَعْنَاهُ أَنِّي ضَامِنٌ لَكَ تَأْدِيَتَهَا، وَأَنَّهَا لَا تَذْهَبُ، بَلْ أَرُدُّهَا إِلَيْكَ بِعَيْنِهَا؟ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ.

فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وأحمد بِالْأَوَّلِ، وَأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالتَّلَفِ. وَقَالَ أبو حنيفة ومالك بِالثَّانِي، وَأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالرَّدِّ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي مَذْهَبِ مالك، وَهُوَ أَنَّ الْعَيْنَ إِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، لَمْ تُضْمَنْ بِالتَّلَفِ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهِ ضُمِنَتْ بِالتَّلَفِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى التَّلَفِ، وَسِرُّ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعَارِيَةَ أَمَانَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ، فَلِذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ.

وَمَأْخَذُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ( «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصفوان: " بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» ) هَلْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالرَّدِّ أَوْ بِالتَّلَفِ؟ أَيْ أَضْمَنُهَا إِنْ تَلِفَتْ أَوْ أَضْمَنُ لَكَ رَدَّهَا، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ فِي ضَمَانِ الرَّدِّ أَظْهَرُ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: " «بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ» فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>