للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضُوا رَضُوا لِرِضَاهُمْ. فَإِذَا أَسْلَمَ هَؤُلَاءِ، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَلِلَّهِ مَا أَعْظَمَ مَوْقِعَ هَذَا الْعَطَاءِ، وَمَا أَجْدَاهُ وَأَنْفَعَهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْفَالَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَقْسِمُهَا رَسُولُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ، لَا يَتَعَدَّى الْأَمْرَ، فَلَوْ وَضَعَ الْغَنَائِمَ بِأَسْرِهَا فِي هَؤُلَاءِ لِمَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ الْعَامَّةِ، لَمَا خَرَجَ عَنِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْعَدْلِ، وَلَمَا عَمِيَتْ أَبْصَارُ ذي الخويصرة التميمي وَأَضْرَابِهِ عَنْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ. قَالَ لَهُ قَائِلُهُمُ: اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ. وَقَالَ مُشَبَّهُهُ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَجْهَلِ الْخَلْقِ بِرَسُولِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ، وَطَاعَتِهِ لَهُ، وَتَمَامِ عَدْلِهِ، وَإِعْطَائِهِ لِلَّهِ، وَمَنْعِهِ لِلَّهِ، وَلِلَّهِ - سُبْحَانَهُ - أَنْ يَقْسِمَ الْغَنَائِمَ كَمَا يُحِبُّ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا الْغَانِمِينَ جُمْلَةً، كَمَا مَنَعَهُمْ غَنَائِمَ مَكَّةَ، وَقَدْ أَوْجَفُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِهِمْ وَرِكَابِهِمْ، وَلَهُ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهَا نَارًا مِنَ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَعْدَلُ الْعَادِلِينَ، وَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَمَا فَعَلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ عَبَثًا، وَلَا قَدَّرَهُ سُدًى، بَلْ هُوَ عَيْنُ الْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ، مَصْدَرُهُ كَمَالُ عِلْمِهِ وَعِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَلَقَدْ أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَى قَوْمٍ رَدَّهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ بِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُودُونَهُ إِلَى دِيَارِهِمْ، وَأَرْضَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، كَمَا يُعْطَى الصَّغِيرُ مَا يُنَاسِبُ عَقْلَهُ وَمَعْرِفَتَهُ، وَيُعْطَى الْعَاقِلُ اللَّبِيبُ مَا يُنَاسِبُهُ، وَهَذَا فَضْلُهُ، وَلَيْسَ هُوَ سُبْحَانَهُ تَحْتَ حَجْرِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ بِعُقُولِهِمْ وَيُحَرِّمُونَ، وَرَسُولُهُ مُنَفِّذٌ لِأَمْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ دَعَتْ حَاجَةُ الْإِمَامِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ عَدُوِّهِ، هَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ؟

قِيلَ: الْإِمَامُ نَائِبٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ يَتَصَرَّفُ لِمَصَالِحِهِمْ، وَقِيَامِ الدِّينِ. فَإِنْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ لِلدَّفْعِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَالذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ، وَاسْتِجْلَابِ رُءُوسِ أَعْدَائِهِ إِلَيْهِ، لِيَأْمَنَ الْمُسْلِمُونَ شَرَّهُمْ، سَاغَ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَهَلْ تُجَوِّزُ الشَّرِيعَةُ غَيْرَ هَذَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرْمَانِ مَفْسَدَةٌ، فَالْمَفْسَدَةُ الْمُتَوَقَّعَةُ مِنْ فَوَاتِ تَأْلِيفِ هَذَا الْعَدُوِّ أَعْظَمُ، وَمَبْنَى الشَّرِيعَةِ عَلَى دَفْعِ أَعْلَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>