للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَدْفَعُهُ أَمْرَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: " يُجْزِئُكَ "، وَالْإِجْزَاءُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ، وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْعَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، إِذِ الشَّارِعُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْقُرَبِ، وَنَذْرُ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ.

قِيلَ: أَمَّا قَوْلُهُ: " يُجْزِئُكَ "، فَهُوَ بِمَعْنَى يَكْفِيكَ، فَهُوَ مِنَ الرُّبَاعِيِّ، وَلَيْسَ مِنْ " جَزَى عَنْهُ " إِذَا قَضَى عَنْهُ، يُقَالُ: أَجْزَأَنِي: إِذَا كَفَانِي، وَجَزَى عَنِّي: إِذَا قَضَى عَنِّي، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بردة فِي الْأُضْحِيَّةِ: " تَجْزِي عَنْكَ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» ، وَالْكِفَايَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ.

وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَهُوَ إِشَارَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ بِالْأَرْفَقِ بِهِ، وَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةُ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، فَإِنَّهُ لَوْ مَكَّنَهُ مِنْ إِخْرَاجِ مَالِهِ كُلِّهِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْفَقْرِ وَالْعَدَمِ، كَمَا فَعَلَ بِالَّذِي جَاءَهُ بِالصُّرَّةِ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا، فَضَرَبَهُ بِهَا وَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنَ الْفَقْرِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ. وَقَدْ يُقَالُ - وَهُوَ أَرْجَحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ، فَمَكَّنَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ مِنْ إِخْرَاجِ مَالِهِ كُلِّهِ، وَقَالَ: ( «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ "

<<  <  ج: ص:  >  >>