للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَازُ: أَصَحَّ الرّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ أحمد، وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ، وَالرُّخْصَةُ إِذَا ثَبَتَتْ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأُمَّةِ لِمَعْنًى تَعَدَّتْ إِلَى كُلِّ مَنْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، إِذِ الْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ سَبَبِهِ.

وَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ قَالَ أَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ عَامَّةٌ، وَأَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ يُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهَا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ والزبير، وَيُحْتَمَلُ تَعَدِّيهَا إِلَى غَيْرِهِمَا. وَإِذَا احْتُمِلَ الْأَمْرَانِ كَانَ الْأَخْذُ بِالْعُمُومِ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَلَا أَدْرِي أَبْلَغَتِ الرُّخْصَةُ مِنْ بَعْدِهِمَا أَمْ لَا؟

وَالصَّحِيحُ عُمُومُ الرُّخْصَةِ، فَإِنَّهُ عُرْفُ خِطَابِ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّخْصِيصِ، وَعَدَمِ إِلْحَاقِ غَيْرِ مَنْ رَخَّصَ لَهُ أَوَّلًا بِهِ، كَقَوْلِهِ لِأَبِي بُرْدَةَ فِي تَضْحِيَتِهِ بِالْجَذَعَةِ مِنَ الْمَعْزِ: ( «تَجْزِيكَ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» ) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاحِ مَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠] [الْأَحْزَابِ: ٥٠] .

وَتَحْرِيمُ الْحَرِيرِ إِنَّمَا كَانَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَلِهَذَا أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ وَلِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةُ مَا حُرِّمَ لِسَدِّ الذَّرَائِعِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ كَمَا حَرُمَ النَّظَرُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفِعْلِ، وَأُبِيحَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ وَالْمَصْلَحَةُ الرَّاجِحَةُ، وَكَمَا حَرُمَ التَّنَفُّلُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْمُشَابَهَةِ الصُّورِيِّةِ بِعُبَّادِ الشَّمْسِ، وَأُبِيحَتْ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَكَمَا حَرُمَ رِبَا الْفَضْلِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَأُبِيحَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنَ الْعَرَايَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>