للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ تَتَزَايَدَ، فَلَمَّا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ السِّلْقُ وَالشَّعِيرُ، أَمَرَهُ أَنْ يُصِيبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَغْذِيَةِ لِلنَّاقِهِ، فَإِنَّ فِي مَاءِ الشَّعِيرِ مِنَ التَّبْرِيدِ وَالتَّغْذِيَةِ وَالتَّلْطِيفِ وَالتَّلْيِينِ وَتَقْوِيَةِ الطَّبِيعَةِ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلنَّاقِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا طُبِخَ بِأُصُولِ السَّلْقِ، فَهَذَا مِنْ أَوْفَقِ الْغِذَاءِ لِمَنْ فِي مَعِدَتِهِ ضَعْفٌ، وَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنَ الْأَخْلَاطِ مَا يُخَافُ مِنْهُ.

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: حَمَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرِيضًا لَهُ، حَتَّى إِنَّهُ مِنْ شِدَّةِ مَا حَمَاهُ كَانَ يَمُصُّ النَّوَى.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْحِمْيَةُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ قَبْلَ الدَّاءِ، فَتَمْنَعُ حُصُولَهُ، وَإِذَا حَصَلَ فَتَمْنَعُ تَزَايُدَهُ وَانْتِشَارَهُ.

[فصل لَا حَرَجَ فِي تَنَاوُلِ الْإِنْسَانِ مَا يَشْتَهِيهِ عَنْ جُوعٍ صَادِقٍ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ مَا]

فَصْلٌ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يُحْمَى عَنْهُ الْعَلِيلُ وَالنَّاقِهُ وَالصَّحِيحُ، إِذَا اشْتَدَّتِ الشَّهْوَةُ إِلَيْهِ، وَمَالَتْ إِلَيْهِ الطَّبِيعَةُ، فَتَنَاوَلَ مِنْهُ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا تَعْجِزُ الطَّبِيعَةُ عَنْ هَضْمِهِ، لَمْ يَضُرَّهُ تَنَاوُلُهُ، بَلْ رُبَّمَا انْتَفَعَ بِهِ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ وَالْمَعِدَةَ تَتَلَقَّيَانِهِ بِالْقَبُولِ وَالْمَحَبَّةِ، فَيُصْلِحَانِ مَا يُخْشَى مِنْ ضَرَرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْفَعَ مِنْ تَنَاوُلِ مَا تَكْرَهُهُ الطَّبِيعَةُ، وَتَدْفَعُهُ مِنَ الدَّوَاءِ، وَلِهَذَا أَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صهيبا وَهُوَ أَرْمَدُ عَلَى تَنَاوُلِ التَّمَرَاتِ الْيَسِيرَةِ، وَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تَضُرُّهُ، وَمِنْ هَذَا مَا يُرْوَى عَنْ ( «علي أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَرْمَدُ، وَبَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرٌ يَأْكُلُهُ، فَقَالَ: يَا علي! تَشْتَهِيهِ؟ وَرَمَى إِلَيْهِ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ بِأُخْرَى حَتَّى رَمَى إِلَيْهِ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَ: " حَسْبُكَ يَا علي» ) .

وَمِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «عَادَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُ: " مَا تَشْتَهِي؟ " فَقَالَ أَشْتَهِي خُبْزَ بُرٍّ. وَفِي لَفْظٍ أَشْتَهِي كَعْكًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خُبْزُ بُرٍّ فَلْيَبْعَثْ إِلَى أَخِيهِ " ثُمَّ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>