للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعَلَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا خَوَاصَّ وَكَيْفِيَّاتٍ مُؤَثِّرَةً وَلَا يُمْكِنُ لِعَاقِلٍ إِنْكَارُ تَأْثِيرِ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَحْسُوسٌ، وَأَنْتَ تَرَى الْوَجْهَ كَيْفَ يَحْمَرُّ حُمْرَةً شَدِيدَةً، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ مِنْ يَحْتَشِمُهُ وَيَسْتَحِي مِنْهُ، وَيَصْفَرُّ صُفْرَةً شَدِيدَةً عِنْدَ نَظَرِ مَنْ يَخَافُهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مَنْ يَسْقَمُ مِنَ النَّظَرِ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِوَاسِطَةِ تَأْثِيرِ الْأَرْوَاحِ، وَلِشِدَّةِ ارْتِبَاطِهَا بِالْعَيْنِ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إِلَيْهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ الْفَاعِلَةَ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِلرُّوحِ، وَالْأَرْوَاحُ مُخْتَلِفَةٌ فِي طَبَائِعِهَا وَقُوَاهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا وَخَوَاصِّهَا، فَرُوحُ الْحَاسِدِ مُؤْذِيَةٌ لِلْمَحْسُودِ أَذًى بَيِّنًا.

وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - رَسُولَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ شَرِّهِ، وَتَأْثِيرُ الْحَاسِدِ فِي أَذَى الْمَحْسُودِ أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهُوَ أَصْلُ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ، فَإِنَّ النَّفْسَ الْخَبِيثَةَ الْحَاسِدَةَ تَتَكَيَّفُ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ، وَتُقَابِلُ الْمَحْسُودَ فَتُؤَثِّرُ فِيهِ بِتِلْكَ الْخَاصِّيَّةِ، وَأَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِهَذَا الْأَفْعَى، فَإِنَّ السُّمَّ كَامِنٌ فِيهَا بِالْقُوَّةِ، فَإِذَا قَابَلَتْ عَدُوَّهَا انْبَعَثَتْ مِنْهَا قُوَّةٌ غَضَبِيَّةٌ، وَتَكَيَّفَتْ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ مُؤْذِيَةٍ.

فَمِنْهَا: مَا تَشْتَدُّ كَيْفِيَّتُهَا وَتَقْوَى حَتَّى تُؤَثِّرَ فِي إِسْقَاطِ الْجَنِينِ.

وَمِنْهَا: مَا تُؤَثِّرُ فِي طَمْسِ الْبَصَرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَبْتَرِ وَذِي الطُّفْيَتَيْنِ مِنَ الْحَيَّاتِ: ( «إِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ» ) .

وَمِنْهَا: مَا تُؤَثِّرُ فِي الْإِنْسَانِ كَيْفِيَّتُهَا بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالٍ بِهِ، لِشِدَّةِ خُبْثِ تِلْكَ النَّفْسِ، وَكَيْفِيَّتِهَا الْخَبِيثَةِ الْمُؤَثِّرَةِ، وَالتَّأْثِيرُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الِاتِّصَالَاتِ الْجِسْمِيَّةِ، كَمَا يَظُنُّهُ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِالطَّبِيعَةِ وَالشَّرِيعَةِ، بَلِ التَّأْثِيرُ يَكُونُ تَارَةً بِالِاتِّصَالِ، وَتَارَةً بِالْمُقَابَلَةِ، وَتَارَةً بِالرُّؤْيَةِ، وَتَارَةً بِتَوَجُّهِ الرُّوحِ نَحْوَ مَنْ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَتَارَةً بِالْأَدْعِيَةِ، وَالرُّقَى، وَالتَّعَوُّذَاتِ، وَتَارَةً بِالْوَهْمِ وَالتَّخَيُّلِ، وَنَفْسُ الْعَائِنِ لَا يَتَوَقَّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>