للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

( «اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَيْهِ» ) ؛ لِيَدْفَعَ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةَ الْخَبِيثَةَ بِالدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ إِحْسَانٌ إِلَى الْمَعِينِ، فَإِنَّ دَوَاءَ الشَّيْءِ بِضِدِّهِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الْخَبِيثَةُ تَظْهَرُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّقِيقَةِ مِنَ الْجَسَدِ؛ لِأَنَّهَا تَطْلُبُ النُّفُوذَ، فَلَا تَجِدُ أَرَقَّ مِنَ الْمَغَابِنِ وَدَاخِلَةِ الْإِزَارِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ كِنَايَةً عَنِ الْفَرَجِ، فَإِذَا غُسِلَتْ بِالْمَاءِ، بَطَلَ تَأْثِيرُهَا وَعَمَلُهَا، وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ لِلْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِهَا اخْتِصَاصٌ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ غَسْلَهَا بِالْمَاءِ يُطْفِئُ تِلْكَ النَّارِيَّةِ، وَيَذْهَبُ بِتِلْكَ السُّمِّيَّةِ.

وَفِيهِ أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ وُصُولُ أَثَرِ الْغَسْلِ إِلَى الْقَلْبِ مِنْ أَرَقِّ الْمَوَاضِعِ وَأَسْرَعِهَا تَنْفِيذًا، فَيُطْفِئُ تِلْكَ النَّارِيَّةَ وَالسُّمِّيَّةَ بِالْمَاءِ، فَيُشْفَى الْمَعِينُ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ ذَوَاتِ السُّمُومِ إِذَا قُتِلَتْ بَعْدَ لَسْعِهَا، خَفَّ أَثَرُ اللَّسْعَةِ عَنِ الْمَلْسُوعِ، وَوَجَدَ رَاحَةً، فَإِنَّ أَنْفُسَهَا تَمُدُّ أَذَاهَا بَعْدَ لَسْعِهَا، وَتُوَصِّلُهُ إِلَى الْمَلْسُوعِ. فَإِذَا قُتِلَتْ خَفَّ الْأَلَمُ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْبَابِهِ فَرَحُ الْمَلْسُوعِ، وَاشْتِفَاءُ نَفْسِهِ بِقَتْلِ عَدُوِّهِ، فَتَقْوَى الطَّبِيعَةُ عَلَى الْأَلَمِ فَتَدْفَعُهُ.

وَبِالْجُمْلَةِ غَسْلُ الْعَائِنِ يُذْهِبُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُ غَسْلُهُ عِنْدَ تَكَيُّفِ نَفْسِهِ بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ظَهَرَتْ مُنَاسَبَةُ الْغَسْلِ فَمَا مُنَاسَبَةُ صَبِّ ذَلِكَ الْمَاءِ عَلَى الْمَعِينِ؟ قِيلَ هُوَ فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ مَاءٌ طُفِئَ بِهِ تِلْكَ النَّارِيَّةُ، وَأَبْطَلَ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الْفَاعِلِ، فَكَمَا طُفِئَتْ بِهِ النَّارِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِالْفَاعِلِ طُفِئَتْ بِهِ، وَأُبْطِلَتْ عَنِ الْمَحَلِّ الْمُتَأَثِّرِ، بَعْدَ مُلَابَسَتِهِ لِلْمُؤَثِّرِ الْعَائِنِ، وَالْمَاءُ الَّذِي يُطْفَأُ بِهِ الْحَدِيدُ، يَدْخُلُ فِي أَدْوِيَةٍ عِدَّةٍ طَبِيعِيَّةٍ ذَكَرَهَا الْأَطِبَّاءُ، فَهَذَا الَّذِي طُفِئَ بِهِ نَارِيَّةُ الْعَائِنِ، لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَدْخُلَ فِي دَوَاءٍ يُنَاسِبُ هَذَا الدَّاءَ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَطِبُّ الطَّبَائِعِيَّةِ، وَعِلَاجُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِلَاجِ النَّبَوِيِّ، كَطِبِّ الطُّرُقِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّهِمْ، بَلْ أَقَلُّ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمُ، وَأَعْظَمُ مِنَ التَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطُّرُقِيَّةِ بِمَا لَا يُدْرِكُ الْإِنْسَانُ مِقْدَارَهُ، فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ عَقْدُ الْإِخَاءِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>