للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أَنْوَاعُ الْمَحَبَّةِ]

وَالْمَحَبَّةُ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ: فَأَفْضَلُهَا وَأَجَلُّهَا: الْمَحَبَّةُ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ مَحَبَّةَ مَا أَحَبَّ اللَّهُ، وَتَسْتَلْزِمُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَمِنْهَا مَحَبَّةُ الِاتِّفَاقِ فِي طَرِيقَةٍ، أَوْ دِينٍ، أَوْ مَذْهَبٍ، أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ، أَوْ صِنَاعَةٍ، أَوْ مُرَادٍ مَا.

وَمِنْهَا: مَحَبَّةٌ لِنَيْلِ غَرَضٍ مِنَ الْمَحْبُوبِ، إِمَّا مِنْ جَاهِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ تَعْلِيمِهِ وَإِرْشَادِهِ، أَوْ قَضَاءِ وَطَرٍ مِنْهُ، وَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ الْعَرَضِيَّةُ الَّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ مُوجِبِهَا، فَإِنَّ مَنْ وَدَّكَ لِأَمْرٍ، وَلَّى عَنْكَ عِنْدَ انْقِضَائِهِ.

وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُحِبِّ وَالْمَحْبُوبِ، فَمَحَبَّةٌ لَازِمَةٌ لَا تَزُولُ إِلَّا لِعَارِضٍ يُزِيلُهَا، وَمَحَبَّةُ الْعِشْقِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، فَإِنَّهَا اسْتِحْسَانٌ رُوحَانِيٌّ، وَامْتِزَاجٌ نَفْسَانِيٌّ، وَلَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْوَسْوَاسِ وَالنُّحُولِ، وَشَغْلِ الْبَالِ، وَالتَّلَفِ مَا يَعْرِضُ مِنَ الْعِشْقِ.

[سَبَبُ كَوْنِ الْعِشْقِ أَحْيَانًا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ]

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْعِشْقِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الِاتِّصَالِ وَالتَّنَاسُبِ الرُّوحَانِيِّ، فَمَا بَالُهُ لَا يَكُونُ دَائِمًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ تَجِدُهُ كَثِيرًا مِنْ طَرَفِ الْعَاشِقِ وَحْدَهُ، فَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِاتِّصَالَ النَّفْسِيَّ وَالِامْتِزَاجَ الرُّوحَانِيَّ، لَكَانَتِ الْمَحَبَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُسَبِّبُهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ، وَتَخَلُّفُ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ:

الْأَوَّلُ: عِلَّةٌ فِي الْمَحَبَّةِ، وَأَنَّهَا مَحَبَّةٌ عَرَضِيَّةٌ لَا ذَاتِيَّةٌ، وَلَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَحَبَّةِ الْعَرَضِيَّةِ، بَلْ قَدْ يَلْزَمُهَا نُفْرَةٌ مِنَ الْمَحْبُوبِ.

الثَّانِي: مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمُحِبِّ يَمْنَعُ مَحَبَّةَ مَحْبُوبِهِ لَهُ، إِمَّا فِي خُلُقِهِ، أَوْ فِي خَلْقِهِ أَوْ هَدْيِهِ أَوْ فِعْلِهِ، أَوْ هَيْئَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>