للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأحمد أَثْبَتَ خِضَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، ومالك أَنْكَرَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مسلم " النَّهْيُ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ فِي شَأْنِ أبي قحافة لَمَّا أُتِيَ بِهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ: ( «غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» ) .

وَالْكَتَمُ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ.

فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ، فَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْحِنَّاءِ شَيْءٌ آخَرُ، كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ الْكَتَمَ وَالْحِنَّاءَ يَجْعَلُ الشَّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ، فَإِنَّهَا تَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا، وَهَذَا أَصَحُّ الْجَوَابَيْنِ.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ خِضَابُ التَّدْلِيسِ، كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ، وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرُّ الزَّوْجَ، وَالسَّيِّدَ بِذَلِكَ، وَخِضَابِ الشَّيْخِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنَ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا، فَقَدْ صَحَّ عَنِ الحسن والحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ " تَهْذِيبِ الْآثَارِ " وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ: مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وأيوب، وإسماعيل بن معدي كرب.

وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، ويزيد، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وأبي يوسف، وأبي إسحاق، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَزِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، وغيلان بن جامع

<<  <  ج: ص:  >  >>