للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ بَارِدًا رَطْبًا فَإِنَّ قُوَّتَهُ تَنْتَقِلُ وَتَتَغَيَّرُ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ تُوجِبُ انْتِقَالَهَا، فَإِنَّ الْمَاءَ الْمَكْشُوفَ لِلشِّمَالِ، الْمَسْتُورَ عَنِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ يَكُونُ بَارِدًا وَفِيهِ يُبْسٌ مُكْتَسَبٌ مِنْ رِيحِ الشَّمَالِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ.

وَالْمَاءُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنَ الْمَعَادِنِ يَكُونُ عَلَى طَبِيعَةِ ذَلِكَ الْمَعْدِنِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ تَأْثِيرَهُ وَالْمَاءُ الْعَذْبُ نَافِعٌ لِلْمَرْضَى وَالْأَصِحَّاءِ وَالْبَارِدُ مِنْهُ أَنْفَعُ وَأَلَذُّ، وَلَا يَنْبَغِي شُرْبُهُ عَلَى الرِّيقِ، وَلَا عَقِيبَ الْجِمَاعِ وَلَا الِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ، وَلَا عَقِيبَ الْحَمَّامِ وَلَا عَقِيبَ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا عَلَى الطَّعَامِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ بَلْ يَتَمَصَّصُهُ مَصًّا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ الْبَتَّةَ بَلْ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ، وَيُنْهِضُ الشَّهْوَةَ وَيُزِيلُ الْعَطَشَ.

وَالْمَاءُ الْفَاتِرُ يَنْفُخُ وَيَفْعَلُ ضِدَّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبَائِتُهُ أَجْوَدُ مِنْ طَرِيِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْبَارِدُ يَنْفَعُ مِنْ دَاخِلٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ مِنْ خَارِجٍ وَالْحَارُّ بِالْعَكْسِ، وَيَنْفَعُ الْبَارِدُ مِنْ عُفُونَةِ الدَّمِ وَصُعُودِ الْأَبْخِرَةِ إِلَى الرَّأْسِ وَيَدْفَعُ الْعُفُونَاتِ، وَيُوَافِقُ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَسْنَانَ وَالْأَزْمَانَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَارَّةَ، وَيَضُرُّ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ تَحْتَاجُ إِلَى نُضْجٍ وَتَحْلِيلٍ كَالزُّكَامِ وَالْأَوْرَامِ، وَالشَّدِيدُ الْبُرُودَةِ مِنْهُ يُؤْذِي الْأَسْنَانَ وَالْإِدْمَانُ عَلَيْهِ يُحْدِثُ انْفِجَارَ الدَّمِ وَالنَّزَلَاتِ، وَأَوْجَاعَ الصَّدْرِ.

وَالْبَارِدُ وَالْحَارُّ بِإِفْرَاطٍ ضَارَّانِ لِلْعَصَبِ وَلِأَكْثَرِ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُحَلِّلٌ وَالْآخَرُ مُكَثِّفٌ وَالْمَاءُ الْحَارُّ يُسَكِّنُ لَذْعَ الْأَخْلَاطِ الْحَادَّةِ وَيُحَلِّلُ وَيُنْضِجُ وَيُخْرِجُ الْفُضُولَ، وَيُرَطِّبُ وَيُسَخِّنُ، وَيُفْسِدُ الْهَضْمَ شُرْبُهُ، وَيَطْفُو بِالطَّعَامِ إِلَى أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَيُرْخِيهَا وَلَا يُسْرِعُ فِي تَسْكِينِ الْعَطَشِ، وَيُذْبِلُ الْبَدَنَ، وَيُؤَدِّي إِلَى أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ وَيَضُرُّ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرَاضِ عَلَى أَنَّهُ صَالِحٌ لِلشُّيُوخِ وَأَصْحَابِ الصَّرْعِ وَالصُّدَاعِ الْبَارِدِ وَالرَّمَدِ. وَأَنْفَعُ مَا اسْتُعْمِلَ مِنْ خَارِجٍ.

وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ، وَلَا كَرِهَهُ أَحَدٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>