للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي " صَحِيحِهِ " أَيْضًا: مِنْ حَدِيثِ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ، مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُنَّ، وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِي حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَحْسَنْتَ» .

فَإِنَّ التَّعْزِيرَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ لَفْظُ الْحَدِّ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُضْرَبُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» .

وَقَدْ ثَبَتَ التَّعْزِيرُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ جِنْسًا وَقَدْرًا فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهَا، وَلَمْ تُجْمِعِ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِهَا.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُخَالِفَ حَالُهَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ حَالَهَا قَبْلَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ قَبْلَ الْإِحْصَانِ: لَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تُبْطِلُ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: حَدُّهَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ حَدُّ الْحُرَّةِ، وَبَعْدَهُ نِصْفُهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأُصُولِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: جَلْدُهَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ تَعْزِيرٌ، وَبَعْدَهُ حَدٌّ، وَهَذَا أَقْوَى، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: الِافْتِرَاقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ لَا فِي قَدْرِهِ، وَأَنَّهُ فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ لِلسَّيِّدِ، وَفِي الْأُخْرَى لِلْإِمَامِ، وَهَذَا أَقْرَبُ مَا يُقَالُ.

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ تَنْصِيصَهُ عَلَى التَّنْصِيفِ بَعْدَ الْإِحْصَانِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ بِالْإِحْصَانِ يَزُولُ التَّنْصِيفُ، وَيَصِيرُ حَدُّهَا حَدَّ الْحُرَّةِ، كَمَا أَنَّ الْجَلْدَ زَالَ عَنِ الْبِكْرِ بِالْإِحْصَانِ، وَانْتَقَلَ إِلَى الرَّجْمِ، فَبَقِيَ عَلَى التَّنْصِيفِ فِي أَكْمَلِ حَالَتَيْهَا، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>