للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَدِيثُ قبيصة: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ بِحَدٍّ، أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: «فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرُفِعَ الْقَتْلُ، وَكَانَتْ رُخْصَةً» . رَوَاهُ أبو داود.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَا كُنْتُ لِأَدِيَ مَنْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْحَدَّ إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّ فِيهِ شَيْئًا، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ» . لَفْظُ أبي داود. وَلَفْظُهُمَا: «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَلَمْ يَسُنَّهُ» .

قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَقْدِيرًا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَإِلَّا فعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ شَهِدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَرَبَ فِيهَا أَرْبَعِينَ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ، يَعْنِي التَّقْدِيرَ بِثَمَانِينَ، فَإِنَّ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاسْتَشَارَهُمْ، فَأَشَارُوا بِثَمَانِينَ، فَأَمْضَاهَا، ثُمَّ جَلَدَ علي فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ، وَقَالَ: هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ، رَآهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ حَدٌّ، وَالْأَرْبَعُونَ الزَّائِدَةُ عَلَيْهَا تَعْزِيرٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالْقَتْلُ إِمَّا مَنْسُوخٌ، وَإِمَّا أَنَّهُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِحَسَبِ تَهَالُكِ النَّاسِ فِيهَا وَاسْتِهَانَتِهِمْ بِحَدِّهَا، فَإِذَا رَأَى قَتْلَ وَاحِدٍ لِيَنْزَجِرَ الْبَاقُونَ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ حَلَقَ فِيهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَرَّبَ، وَهَذَا مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَئِمَّةِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>