للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: اللَّامُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، بَلْ هِيَ بِمَعْنَى " عَلَى " كَقَوْلِهِ {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] [الْإِسْرَاءِ: ٧] أَيْ فَعَلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: ٤٦] [فُصِّلَتْ ٤٦]

وَرَدَّتْ طَائِفَةٌ هَذَا الِاعْتِذَارَ بِخِلَافِهِ لِسِيَاقِ الْقِصَّةِ وَلِمَوْضُوعِ الْحَرْفِ، وَلَيْسَ نَظِيرَ الْآيَةِ، فَإِنَّهَا قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ مَا لِلنَّفْسِ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: (اشْتَرِطِي لَهُمْ) .

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَلِ اللَّامُ عَلَى بَابِهَا، وَلَكِنْ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: اشْتَرِطِي لَهُمْ أَوْ لَا تَشْتَرِطِي، فَإِنَّ الِاشْتِرَاطَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا لِمُخَالَفَتِهِ لِكِتَابِ اللَّهِ.

وَرَدَّ غَيْرُهُمْ هَذَا الِاعْتِذَارَ لِاسْتِلْزَامِهِ إِضْمَارَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالْعِلْمُ بِهِ مِنْ نَوْعِ عِلْمِ الْغَيْبِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ هَذَا أَمْرُ تَهْدِيدٍ لَا إِبَاحَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] [فُصِّلَتْ: ٤٠] وَهَذَا فِي الْبُطْلَانِ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، وَأَظْهَرُ فَسَادًا، فَمَا لعائشة وَمَا لِلتَّهْدِيدِ هُنَا؟ وَأَيْنَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي التَّهْدِيدَ لَهَا؟ نَعَمْ هُمْ أَحَقُّ بِالتَّهْدِيدِ لَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَإِذْنٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مِثْلِ هَذَا، وَيَكُونُ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ لِلْبَائِعِ، قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهَذَا أَفْسَدُ مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَصَرِيحُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ وَرَدَّهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا أَذِنَ لَهَا فِي الِاشْتِرَاطِ لِيَكُونَ وَسِيلَةً إِلَى ظُهُورِ بُطْلَانِ هَذَا الشَّرْطِ وَعِلْمِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ بِهِ، وَتَقَرَّرَ حُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ عَلِمُوا حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقْنَعُوا دُونَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَعَاقَبَهُمْ بِأَنْ أَذِنَ لعائشة فِي الِاشْتِرَاطِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَأَذَّنَ فِيهِمْ بِبُطْلَانِ هَذَا الشَّرْطِ، وَتَضَمَّنَ حُكْمًا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>