للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَثَلَاثٌ، قَالَ أبو بكر: انْفَرَدَ بِهَذَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

قَالَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي ": وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ كِنَايَةٌ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ، فَوَقَعَ بِمُجَرَّدِهَا كَسَائِرِ كِنَايَاتِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَرَّحَتْ بِهِ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَالْحَقُّ مَعَهَا بِإِنْكَارِهِ وَرَدِّهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اخْتَارَهُ أَزْوَاجُهُ، لَمْ يَقُلْ وَقَعَ بِكُنَّ طَلْقَةٌ، وَلَمْ يُرَاجِعْهُنَّ، وَهِيَ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِشَأْنِ التَّخْيِيرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ (عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) وَفِي لَفْظٍ: (لَمْ نَعُدَّهُ طَلَاقًا) ، وَفِي لَفْظٍ: ( «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفَكَانَ طَلَاقًا» ) ؟ .

وَالَّذِي لَحَظَهُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، أَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكٌ، وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا إِلَّا وَقَدْ طَلُقَتْ، فَالتَّمْلِيكُ مُسْتَلْزِمٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا: أَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكٌ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ التَّمْلِيكَ يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَكِلَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَمْنُوعَةٌ، فَلَيْسَ التَّخْيِيرُ بِتَمْلِيكٍ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا، لَمْ يَسْتَلْزِمْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ قَبْلَ إِيقَاعِ مَنْ مَلَكَهُ، فَإِنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنْ تَمْلِكَهُ الزَّوْجَةُ، كَمَا كَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُهُ، فَلَا يَقَعُ بِدُونِ إِيقَاعِ مَنْ مَلَكَهُ، وَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا.

[هَلِ التَّخْيِيرُ يَسْتَلْزِمُ الطَّلَاقَ]

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّخْيِيرِ: هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ، أَوْ تَوْكِيلٌ، أَوْ بَعْضُهُ تَمْلِيكٌ، وَبَعْضُهُ تَوْكِيلٌ، أَوْ هُوَ تَطْلِيقٌ مُنَجَّزٌ، أَوْ لَغْوٌ لَا أَثَرَ لَهُ الْبَتَّةَ؟ عَلَى مَذَاهِبَ خَمْسَةٍ.

التَّفْرِيقُ هُوَ مَذْهَبُ أحمد ومالك. قَالَ أبو الخطاب فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ": هُوَ تَمْلِيكٌ يَقِفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " فِيهِ: إِذَا قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَوِ اخْتَارِي، فَقَالَتْ قَبِلْتُ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ " أَمْرُكِ بِيَدِكِ " تَوْكِيلٌ، فَقَوْلُهَا فِي جَوَابِهِ قَبِلْتُ، يَنْصَرِفُ إِلَى قَبُولِ الْوَكَالَةِ، فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: قَبِلْتُ، وَقَوْلُهُ اخْتَارِي: فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>