للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] [التَّحْرِيمِ: ١] فَإِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَجْعَلْ لِرَسُولِهِ أَنْ يُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، فَكَيْفَ يَجْعَلُ لِغَيْرِهِ التَّحْرِيمَ؟

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ) وَهَذَا التَّحْرِيمُ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ رَدًّا بَاطِلًا.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ، وَكَمَا أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ لَغْوٌ لَا أَثَرَ لَهُ، فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ.

قَالُوا: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِطَعَامِهِ: هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ.

قَالُوا: وَقَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، إِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِنْشَاءَ تَحْرِيمِهَا، أَوِ الْإِخْبَارَ عَنْهَا بِأَنَّهَا حَرَامٌ وَإِنْشَاءُ تَحْرِيمٍ مُحَالٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهِ، إِنَّمَا هُوَ إِلَى مَنْ أَحَلَّ الْحَلَالَ، وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَشَرَعَ الْأَحْكَامَ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ، فَهُوَ كَذِبٌ، فَهُوَ إِمَّا خَبَرٌ كَاذِبٌ، أَوْ إِنْشَاءٌ بَاطِلٌ، وَكِلَاهُمَا لَغْوٌ مِنَ الْقَوْلِ.

قَالُوا: وَنَظَرْنَا فِيمَا سِوَى هَذَا الْقَوْلِ، فَرَأَيْنَاهَا أَقْوَالًا مُضْطَرِبَةً مُتَعَارِضَةً، يَرُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَلَمْ نُحَرِّمِ الزَّوْجَةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَنَكُونُ قَدِ ارْتَكَبْنَا أَمْرَيْنِ: تَحْرِيمَهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِحْلَالَهَا لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ حَتَّى تُجْمِعَ الْأُمَّةُ أَوْ يَأْتِيَ بُرْهَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى زَوَالِهِ، فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ، فَهَذَا حُجَّةُ هَذَا الْفَرِيقِ.

[فَصْلٌ حُجَجُ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا ثَلَاثٌ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَلَاثٌ بِكُلِّ حَالٍ إِنْ ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ، فَيَحْتَجُّ لَهُ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ جُعِلَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، وَأَعْلَى أَنْوَاعِهِ تَحْرِيمُ الثَّلَاثِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَعْلَى أَنْوَاعِهِ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>