للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] » ) وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَهُ مجاهد فِي الظِّهَارِ، إِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ التَّكَلُّمِ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، إِذَا لَمْ يُطَلِّقْ عَقِيبَهُ عَلَى الْفَوْرِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ وَالْإِخْبَارَ، فَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ فَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ فِيمَا هُوَ صَالِحٌ لَهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ. وَإِنْ أَرَادَ الْإِنْشَاءَ سُئِلَ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي حَرَّمَهَا بِهِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ لِصَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُ، وَاقْتِرَانِهِ بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمُوجَبِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مُوجَبُهُ التَّحْرِيمُ، فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ، كَانَ ظِهَارًا، وَاحْتِمَالُهُ لِلطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ لَا يَزِيدُ عَلَى احْتِمَالِهِ لِلظِّهَارِ بِهَا، وَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَهَا مُطْلَقًا فَهُوَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنْهَا بِالتَّحْرِيمِ، فَهُوَ كَامْتِنَاعِهِ مِنْهَا بِالْيَمِينِ.

[فَصْلٌ حُجَجُ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا ظِهَارٌ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ طَلَاقًا]

فَصْلٌ

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ظِهَارٌ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ طَلَاقًا، فَمَأْخَذُ قَوْلِهِ: أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلتَّحْرِيمِ فَهُوَ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزَوْرٌ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ إِلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ، وَإِنَّمَا إِلَيْهِ إِنْشَاءُ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُرَتَّبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، فَإِذَا حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، فَقَدْ قَالَ الْمُنْكَرَ وَالزُّورَ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بَلْ هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا، لِأَنَّهُ إِذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى التَّحْرِيمِ بِاللُّزُومِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهَا فَقَدْ صَرَّحَ بِمُوجَبِ التَّشْبِيهِ فِي لَفْظِ الظِّهَارِ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا.

قَالُوا: وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا بِالنِّيَّةِ، فَصَرَفْنَاهُ إِلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، فَيَنْصَرِفُ إِلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الظِّهَارِ، فَإِذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا، إِذْ مِنْ أَصْلِ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ تَحْرِيمَ الطَّعَامِ وَنَحْوَهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَإِذَا نَوَى بِتَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ الْيَمِينَ نَوَى مَا يَصْلُحُ لَهُ اللَّفْظُ، فَقُبِلَ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>