للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا أَنَّ الْعِتْقَ الْمَأْمُورَ بِهِ شَرْعًا لَا يُجْزِئُ إِلَّا فِي رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيلِ بِالْإِيمَانِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ الْأَعَمَّ مَتَى كَانَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ كَانَ الْأَخَصُّ عَدِيمَ التَّأْثِيرِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِعْتَاقِ الْمُسْلِمِ تَفْرِيغُهُ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَتَخْلِيصُهُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْمَخْلُوقِ إِلَى عُبُودِيَّةِ الْخَالِقِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ، مَحْبُوبٌ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ إِلْغَاؤُهُ، وَكَيْفَ يَسْتَوِي عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ تَفْرِيغُ الْعَبْدِ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَتَفْرِيغُهُ لِعِبَادَةِ الصَّلِيبِ، أَوِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّارِ، وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ اشْتِرَاطَ الْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَأَحَالَ مَا سَكَتَ عَنْهُ عَلَى بَيَانِهِ، كَمَا بَيَّنَ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ فِي الشَّاهِدَيْنِ، وَأَحَالَ مَا أَطْلَقَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَهُ، وَكَذَلِكَ غَالِبُ مُطْلَقَاتِ كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ وَمُقَيَّدَاتِهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، فَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِيمَنْ أُمِرَ بِصَدَقَةِ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١١٤] [النِّسَاءِ: ١١٤] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ، بَلْ مَوَاضِعَ يُعَلَّقُ الْأَجْرَ بِنَفْسِ الْعَمَلِ اكْتِفَاءً بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: ٩٤] [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٤] ، وَفِي مَوْضِعٍ يُعَلَّقُ الْجَزَاءَ بِنَفْسِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ اكْتِفَاءً بِمَا عُلِمَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ، وَهَذَا غَالِبٌ فِي نُصُوصِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

[فَصْلٌ لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُعْتِقًا لِرَقَبَةٍ]

فَصْلٌ

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُعْتِقًا لِرَقَبَةِ، وَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلنَّاسِ، وَهِيَ رِوَايَاتٌ عَنْ أحمد، ثَانِيهَا الْإِجْزَاءُ، وَثَالِثُهَا وَهُوَ أَصَحُّهَا: أَنَّهُ إِنْ تَكَمَّلَتِ الْحُرِّيَّةُ فِي الرَّقَبَتَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَرَّرَ رَقَبَةً، أَيْ جَعَلَهَا حُرَّةً بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ تَكْمُلِ الْحُرِّيَّةُ.

[فَصْلٌ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَلَا تَتَضَاعَفُ]

فَصْلٌ

وَمِنْهَا: أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَلَا تَتَضَاعَفُ، بَلْ هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>