للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً بالزِّنَى بِرَجُلٍ سَمَّاهُ؟ فَقَالَ: زَنَى بِكِ فُلَانٌ، أَوْ زَنَيْتِ بِهِ؟ قِيلَ: هَاهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يُسْقِطُ مُوجَبَ قَذْفِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إِذْ لَيْسَ هُنَا بَيِّنَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَدِهِمَا، وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا.

[فصل إِذَا لَاعَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا انْتَفَى عَنْهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ وَضْعِهِ]

فَصْلٌ

وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا لَاعَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا انْتَفَى عَنْهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ وَضْعِهِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ. فَقَالَ أبو حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ حَتَّى تَضَعَ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا فَتَنْفُشَ وَلَا يَكُونُ لِلِّعَانِ حِينَئِذٍ مَعْنًى، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الخرقي فِي " مُخْتَصَرِهِ " فَقَالَ: وَإِنْ نَفَى الْحَمْلَ فِي الْتِعَانِهِ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ حَتَّى يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا لَهُ وَيُلَاعِنَ، وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ كَمَا يَأْتِي كَلَامُهُ.

وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي حَالِ الْحَمْلِ اعْتِمَادًا عَلَى قِصَّةِ هلال بن أمية، فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ صَحِيحَةٌ فِي اللِّعَانِ حَالَ الْحَمْلِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا» . . .) الْحَدِيثَ. قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي ": وَقَالَ مالك وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ: يَصِحُّ نَفْيُ الْحَمْلِ وَيَنْتَفِي عَنْهُ، مُحْتَجِّينَ بِحَدِيثِ هلال، وَأَنَّهُ نَفَى حَمْلَهَا، فَنَفَاهُ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْحَقَهُ بِالْأُمِّ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ كَانَ حَمْلًا، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا» ) قَالَ: وَلِأَنَّ الْحَمْلَ مَظْنُونٌ بِأَمَارَاتِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ لِلْحَامِلِ أَحْكَامٌ تُخَالِفُ فِيهَا الْحَائِلَ، مِنَ النَّفَقَةِ وَالْفِطْرِ فِي الصِّيَامِ، وَتَرْكِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا، وَتَأْخِيرِ الْقِصَاصِ عَنْهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْحَمْلِ فَكَانَ كَالْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ. قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِمُوَافَقَتِهِ ظَوَاهِرَ الْأَحَادِيثِ، وَمَا خَالَفَ الْحَدِيثَ لَا يُعْبَأُ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَقَالَ أبو بكر: يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>