للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْحَضَانَةِ لِلْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ دُونَ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ، وَهُوَ فِي دَرَجَتِهَا وَمُسَاوٍ لَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِأُنُوثَتِهَا وَهُوَ ذَكَرٌ، انْتَقَضَ بِرِجَالِ الْعَصَبَةِ كُلِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنَ الْعَصَبَةِ، وَالْحَضَانَةُ لَا تَكُونُ لِرَجُلٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَصَبَةِ. قِيلَ: فَكَيْفَ جَعَلْتُمُوهَا لِنِسَاءِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ مُسَاوَاةِ قَرَابَتِهِنَّ لِقَرَابَةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ مِنَ الذُّكُورِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؟ فَإِمَّا أَنْ تَعْتَبِرُوا الْأُنُوثَةَ فَلَا تَجْعَلُوهَا لِلذَّكَرِ، أَوِ الْمِيرَاثَ فَلَا تَجْعَلُوهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ، أَوِ الْقَرَابَةَ فَلَا تَمْنَعُوا مِنْهَا الْأَخَ مِنَ الْأُمِّ وَالْخَالَ وَأَبَا الْأُمِّ أَوِ التَّعْصِيبَ، فَلَا تُعْطُوهَا لِغَيْرِ عَصَبَةٍ.

فَإِنْ قُلْتُمْ: بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُوَ اعْتِبَارُ التّعْصِيبِ فِي الذُّكُورِ وَالْقَرَابَةِ فِي النِّسَاءِ.

قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِبَابِ الْوِلَايَاتِ، وَبَابِ الْمِيرَاثِ، وَالْحَضَانَةُ وِلَايَةٌ عَلَى الطِّفْلِ، فَإِنْ سَلَكْتُمْ بِهَا مَسْلَكَ الْوِلَايَاتِ فَخُصُّوهَا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَإِنْ سَلَكْتُمْ بِهَا مَسْلَكَ الْمِيرَاثِ فَلَا تُعْطُوهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ، وَكِلَاهُمَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ وَقَوْلِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ.

وَفِي كَلَامِهِ أَيْضًا: تَقْدِيمُ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ عَلَى الْخَالَةِ الَّتِي هِيَ أُمٌّ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إِنَّمَا جَعَلُوا أَوْلَادَ الْإِخْوَةِ بَعْدَ أَبِ الْأَبِ وَالْعَمَّاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الْخَالَةَ أُخْتُ الْأُمِّ، وَبِهَا تُدْلِي، وَالْأُمُّ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَبِ، وَابْنُ الْأَخِ إِنَّمَا يُدْلِي بِالْأَخِ الَّذِي يُدْلِي بِالْأَبِ، فَكَيْفَ يُقَدَّمُ عَلَى الْخَالَةِ! وَكَذَا الْعَمَّةُ أُخْتُ الْأَبِ وَشَقِيقَتُهُ، فَكَيْفَ يُقَدَّمُ ابْنُ ابْنِهِ عَلَيْهَا!

وَقَدْ ضَبَطَ هَذَا الْبَابَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِضَابِطٍ آخَرَ، فَقَالَ: أَقْرَبُ مَا يُضْبَطُ بِهِ بَابُ الْحَضَانَةِ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَتِ الْحَضَانَةُ وِلَايَةً تَعْتَمِدُ الشَّفَقَةَ وَالتَّرْبِيَةَ وَالْمُلَاطَفَةَ كَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا أَقْوَمَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَهُمْ أَقَارِبُهُ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ وَأَقْوَمُهُمْ بِصِفَاتِ الْحَضَانَةِ. فَإِنِ اجْتَمَعَ مِنْهُمُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، فَإِنِ اسْتَوَتْ دَرَجَتُهُمْ قُدِّمَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، فَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ، وَالْجَدَّةُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>