للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدَّمْنَا مَا قَدَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَّرْنَا مَا أَخَّرَهُ، فَقُدِّمَ التَّخْيِيرُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِذَا تَسَاوَتِ الْحُقُوقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَبْقَ مُرَجِّحٌ سِوَاهَا، وَهَكَذَا فَعَلْنَا هَاهُنَا، قَدَّمْنَا أَحَدَهُمَا بِالِاخْتِيَارِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَوِ اخْتَارَهُمَا جَمِيعًا عَدَلْنَا إِلَى الْقُرْعَةِ، فَهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ لَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ وَأَعْدَلِهَا وَأَقْطَعِهَا لِلنِّزَاعِ بِتَرَاضِي الْمُتَنَازِعَيْنِ.

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ فِي مَذْهَبِ أحمد وَالشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ كَانَتْ لَهَا، وَإِنَّمَا نَنْقُلُهُ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ، فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْ بَقِيَ عِنْدَهَا عَلَى مَا كَانَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَدَّمْتُمُ التَّخْيِيرَ عَلَى الْقُرْعَةِ، وَالْحَدِيثُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْقُرْعَةِ أَوَّلًا ثُمَّ التَّخْيِيرُ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ لِلتَّقْدِيمِ عِنْدَ تَسَاوِي الْمُسْتَحِقِّينَ، وَقَدْ تَسَاوَى الْأَبَوَانِ، فَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ، فَإِنْ أَبَيَا الْقُرْعَةَ، لَمْ يَبْقَ إِلَّا اخْتِيَارُ الصَّبِيِّ، فَيُرَجَّحُ بِهِ، فَمَا بَالُ أَصْحَابِ أحمد وَالشَّافِعِيِّ قَدَّمُوا التَّخْيِيرَ عَلَى الْقُرْعَةِ.

قِيلَ: إِنَّمَا قُدِّمَ التَّخْيِيرُ، لِاتِّفَاقِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِهِ، وَأَمَّا الْقُرْعَةُ، فَبَعْضُ الرُّوَاةِ ذَكَرَهَا فِي الْحَدِيثِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحْدَهُ، فَقُدِّمَ التَّخْيِيرُ عَلَيْهَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالتَّخْيِيرِ تَعَيَّنَتِ الْقُرْعَةُ طَرِيقًا لِلتَّرْجِيحِ؛ إِذْ لَمْ يَبْقَ سِوَاهَا.

[رَدُّ الْمُخَيِّرِينَ عَلَى مَنِ اقْتَصَرَ بِالتَّخْيِيرِ عَلَى الْغُلَامِ]

ثُمَّ قَالَ الْمُخَيِّرُونَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ: رَوَى النَّسَائِيُّ فِي " سُنَنِهِ " وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ رافع بن سنان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( «أَنَّهُ تَنَازَعَ هُوَ وَأُمٌّ فِي ابْنَتِهِمَا، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَدَهُ نَاحِيَةً، وَأَقْعَدَ الْمَرْأَةَ نَاحِيَةً، وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: " ادْعُوَاهَا " فَمَالَتْ إِلَى أُمِّهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اهْدِهَا "، فَمَالَتْ إِلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا» ) . قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>