للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطاء: لَا تَنْكِحْهَا، فَقُلْتُ لَهُ: وَذَلِكَ رَأْيُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتَ أَخِيهَا. وَهَذَا قَوْلٌ ثَابِتٌ عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَيُرْوَى عَنْ علي، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وأبي محمد بن حزم، قَالَ: وَرَضَاعُ الْكَبِيرِ وَلَوْ أَنَّهُ شَيْخٌ يُحَرِّمُ كَمَا يُحَرِّمُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ. وَلَا فَرْقَ فَهَذِهِ مَذَاهِبُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَلْنَذْكُرْ مُنَاظَرَةَ أَصْحَابِ الْحَوْلَيْنِ، وَالْقَائِلِينَ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُمَا طَرَفَانِ، وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةٌ.

[حُجَّةُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ]

قَالَ أَصْحَابُ الْحَوْلَيْنِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] [الْبَقَرَةِ: ٢٣٣] ، قَالُوا: فَجَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ حَوْلَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَا بَعْدَهُمَا، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ. قَالُوا: وَهَذِهِ الْمُدَّةُ هِيَ مُدَّةُ الْمَجَاعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَصَرَ الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ عَلَيْهَا. قَالُوا: وَهَذِهِ مُدَّةُ الثَّدْيِ الَّذِي قَالَ فِيهَا: «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الثَّدْيِ» ، أَيْ فِي زَمَنِ الثَّدْيِ، وَهَذِهِ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ يَقُولُونَ: فُلَانٌ مَاتَ فِي الثَّدْيِ، أَيْ فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ قَبْلَ الْفِطَامِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ: «إِنَّ إبراهيم مَاتَ فِي الثَّدْيِ وَإِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ تُتِمُّ رَضَاعَهُ» . يَعْنِي إبراهيم ابْنَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ» وَكَانَ فِي الثَّدْيِ قَبْلَ الْفِطَامِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ لِلرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَضَاعَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ عَارٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>