للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الرَّضَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الثَّدْيِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الْفِطَامِ، كَانَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ سهلة عَلَى الْخُصُوصِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، فَلَا يَنْحَصِرُ بَيَانُ الْخُصُوصِ فِي قَوْلِهِ هَذَا لَكَ وَحْدَكَ حَتَّى يَتَعَيَّنَ طَرِيقًا.

قَالُوا: وَأَمَّا تَفْسِيرُ حَدِيثِ «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ، فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنَ اللَّفْظِ، وَلَا تَتَبَادَرُ إِلَيْهِ أَفْهَامُ الْمُخَاطَبِينَ، بَلِ الْقَوْلُ فِي مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ أبو عبيد وَالنَّاسُ، قَالَ أبو عبيد: قَوْلُهُ: «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي إِذَا جَاعَ كَانَ طَعَامُهُ الَّذِي يُشْبِعُهُ اللَّبَنَ، إِنَّمَا هُوَ الصَّبِيُّ الرَّضِيعُ.

فَأَمَّا الَّذِي شِبَعُهُ مِنْ جُوعِهِ الطَّعَامُ، فَإِنَّ رَضَاعَهُ لَيْسَ بِرَضَاعٍ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: إِنَّمَا الرَّضَاعُ فِي الْحَوْلَيْنِ قَبْلَ الْفِطَامِ، هَذَا تَفْسِيرُ أبي عبيد وَالنَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ فَهْمُهُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَى الْأَذْهَانِ، حَتَّى لَوِ احْتَمَلَ الْحَدِيثُ التَّفْسِيرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، لَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى بِهِ لِمُسَاعَدَةِ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَشْفِهَا لَهُ، وَإِيضَاحِهَا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ غَيْرَ هَذَا التَّفْسِيرِ خَطَأٌ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ، أَنَّ لَفْظَةَ " الْمَجَاعَةِ " إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ، فَهِيَ تُثْبِتُ رَضَاعَةَ الْمَجَاعَةِ، وَتَنْفِي غَيْرَهَا، وَمَعْلُومٌ يَقِينًا أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مَجَاعَةَ اللَّبَنِ لَا مَجَاعَةَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، فَهَذَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا السَّامِعِ، فَلَوْ جَعَلْنَا حُكْمَ الرَّضَاعَةِ عَامًّا لَمْ يَبْقَ لَنَا مَا يَنْفِي وَيُثْبِتُ.

وَسِيَاقُ قَوْلِهِ: لَمَّا رَأَى الرَّجُلَ الْكَبِيرَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» ، يُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُحَرِّمُ رَضَاعَةُ مَنْ يَجُوعُ إِلَى لَبَنِ الْمَرْأَةِ، وَالسِّيَاقُ يُنَزِّلُ اللَّفْظَ مَنْزِلَةَ الصَّرِيحِ، فَتَغَيُّرُ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَكَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ: «انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ» إِنَّمَا هُوَ لِلتَّحَفُّظِ فِي الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّهَا لَا تُحَرِّمُ كُلَّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا تُحَرِّمُ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا أَنَّمَا الرَّضَاعَةُ مَا كَانَ عَدَدُهَا خَمْسًا فَيُعَبِّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ مِنَ الْمَجَاعَةِ، وَهَذَا ضِدُّ الْبَيَانِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ الرَّضَاعَةَ تَطْرُدُ الْجُوعَ عَنِ الْكَبِيرِ، كَمَا تَطْرُدُ الْجُوعَ عَنِ الصَّغِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>