للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ كُلُّهُ لَبَنًا، بَلْ يَسْتَحِيلُ بَعْضُهُ، وَيَخْرُجُ الْبَاقِي، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا تَرَاهُ نَقْلًا وَدَلِيلًا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تَمْنَعُونَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمُسْتُبْرَأَةِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِبْرَاءُ؟ قِيلَ: أَمَّا إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَهَذِهِ لَا تَحْرُمُ قُبْلَتُهَا وَلَا مُبَاشَرَتُهَا، وَهَذَا مَنْصُوصُ أحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ، وَشَيْخُنَا وَغَيْرُهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِأَيِّ شَيْءٍ تُسْتَبْرَأُ إِذَا كَانَتْ رَضِيعَةً؟ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ إِنْ كَانَتْ تَحِيضُ، وَإِلَّا ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُوطَأُ وَتَحْبَلُ. قَالَ أبو محمد: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَلَا تَحْرُمُ مُبَاشَرَتُهَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابن أبي موسى، وَقَوْلُ مالك وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ مُتَحَقِّقٌ، وَلَيْسَ عَلَى تَحْرِيمِهَا دَلِيلٌ، فَإِنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا مَعْنَى نَصٍّ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ مُبَاشَرَةِ الْكَبِيرَةِ إِنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ دَاعِيًا إِلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، أَوْ خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ هَذَا فِي هَذِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْإِبَاحَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

[فصل مُبَاشَرَةُ الْبِكْرِ فِي وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ]

فَصْلٌ

وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا، فَظَاهِرٌ، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَحْرُمُ قُبْلَتُهَا وَمُبَاشَرَتُهَا، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ اسْتِبْرَائِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ تَحْرِيمُ دَوَاعِيهِ، كَمَا فِي حَقِّ الصَّائِمِ، لَا سِيَّمَا وَهُمْ إِنَّمَا حَرَّمُوا تَحْرِيمَ مُبَاشَرَتِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ حَامِلًا، فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِأَمَةِ الْغَيْرِ، هَكَذَا عَلَّلُوا تَحْرِيمَ الْمُبَاشَرَةِ، ثُمَّ قَالُوا: وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَسْبِيَّةِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا انْفِسَاخُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ بِالسَّبْيِ فَلَمْ يَبْقَ لِمَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْقُبْلَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِكْرِ مَعْنًى.

وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَقَالَ أَصْحَابُ أحمد، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرُهُمْ: يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ يُحَرِّمُ الْوَطْءَ، فَحَرَّمَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ كَالْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>