للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَشْكَلَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى قَالَ صَاحِبُ (الْمُغْنِي) : وَلَمْ أَرَ لِذَلِكَ وَجْهًا.

قَالَ وَلَوْ كَانَ اسْتِبْرَاؤُهَا بِشَهْرَيْنِ، لَكَانَ اسْتِبْرَاءُ ذَاتِ الْقُرُوءِ بِقُرْءَيْنِ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا.

وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَنَّهَا اعْتُبِرَتْ بِالْمُطَلَّقَةِ، وَلَوْ طُلِّقَتْ وَهِيَ أَمَةٌ، لَكَانَتْ عِدَّتُهَا شَهْرَيْنِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاحْتَجَّ فِيهِ بِقَوْلِ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْقُرُوءِ وَعِدَّةُ ذَاتِ الْقُرُوءِ قُرْءَانِ، فَبَدَلُهُمَا شَهْرَانِ، وَإِنَّمَا صِرْنَا إِلَى اسْتِبْرَاءِ ذَاتِ الْقُرْءِ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَمٌ ظَاهِرٌ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ تَظْهَرُ فِيهَا بَرَاءَتُهَا، وَهِيَ إِمَّا شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَكَانَتِ الشَّهْرَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عَلَمًا عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ، فَفِي حَقِّ الْمُسْتَبْرَأَةِ أَوْلَى، فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ.

وَبَعْدُ، فَالرَّاجِحُ مِنَ الدَّلِيلِ: الِاكْتِفَاءُ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ إِيمَاءُ النَّصِّ وَتَنْبِيهُهُ، وَفِي جَعْلِ مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ، وَجَعْلُهَا بِشَهْرَيْنِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ، فَكَانَ أَوْلَى الْمُدَدِ بِهَا شَهْرًا؛ فَإِنَّهُ الْبَدَلُ التَّامُّ، وَالشَّارِعُ قَدِ اعْتَبَرَ نَظِيرَ هَذَا الْبَدَلِ فِي نَظِيرِ الْأَمَةِ، وَهِيَ الْحُرَّةُ، وَاعْتَبَرَهُ الصَّحَابَةُ فِي الْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ، فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: عِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَانِ، احْتَجَّ بِهِ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ نَصَّ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، اعْتَدَّتْ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، تِسْعَةٍ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٍ مَكَانَ الْحَيْضَةِ.

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: تَعْتَدُّ بِسَنَةِ، هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أبي محمد، قَالَ: وأحمد هَاهُنَا جَعَلَ مَكَانَ الْحَيْضَةِ شَهْرًا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ تَكْرَارِهَا فِي الْآيِسَةِ لِتُعْلَمَ بَرَاءَتُهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَقَدْ عُلِمَ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ هَاهُنَا بِمُضِيِّ غَالِبِ مُدَّتِهِ، فَجُعِلَ الشَّهْرُ مَكَانَ الْحَيْضَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الخرقي مُفَرَّقًا بَيْنَ الْآيِسَةِ، وَبَيْنَ مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، فَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً، فَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، اعْتَدَّتْ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، وَشَهْرٍ مَكَانَ الْحَيْضَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>