للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَيَاةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ الَّتِي يَتَنَجَّسُ الْحَيَوَانُ بِمُفَارَقَتِهَا، فَإِنَّ مُجَرَّدَ النَّمَاءِ لَوْ دَلَّ عَلَى الْحَيَاةِ، وَنَجِسَ الْمَحَلُّ بِمُفَارَقَةِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، لَتَنَجَّسَ الزَّرْعُ بِيُبْسِهِ، لِمُفَارَقَةِ حَيَاةِ النُّمُوِّ وَالِاغْتِذَاءِ لَهُ.

قَالُوا: فَالْحَيَاةُ نَوْعَانِ: حَيَاةُ حِسٍّ وَحَرَكَةٍ، وَحَيَاةُ نُمُوٍّ وَاغْتِذَاءٍ، فَالْأُولَى: هِيَ الَّتِي يُؤَثِّرُ فَقْدُهَا فِي طَهَارَةِ الْحَيِّ دُونَ الثَّانِيَةِ.

قَالُوا: وَاللَّحْمُ إِنَّمَا يَنْجُسُ لِاحْتِقَانِ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ الْخَبِيثَةِ فِيهِ، وَالشُّعُورُ وَالْأَصْوَافُ بَرِيئَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْعِظَامِ وَالْأَظْفَارِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ.

قَالُوا: وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا التَّنْجِيسُ بِاسْتِحَالَتِهَا، كَالرَّجِيعِ الْمُسْتَحِيلِ عَنِ الْغِذَاءِ، وَكَالْخَمْرِ الْمُسْتَحِيلِ عَنِ الْعَصِيرِ وَأَشْبَاهِهَا، وَالشُّعُورُ فِي حَالِ اسْتِحَالَتِهَا كَانَتْ طَاهِرَةً، ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهَا مَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهَا بِخِلَافِ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهَا عَرَضَ لَهَا مَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهَا، وَهُوَ احْتِقَانُ الْفَضَلَاتِ الْخَبِيثَةِ.

قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ عبد الله بن عمر، فَفِي إِسْنَادِهِ عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ لَيْسَ مَحَلُّهُ عِنْدِي الصِّدْقَ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ: لَا يُسَاوِي فَلْسًا يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ كَذِبٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ وَقَوْلُهُ: ( «أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا» ) ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلشَّعْرِ فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَطْلَقَ الِانْتِفَاعَ بِالْإِهَابِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الشَّعْرِ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَعْرٍ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَيِّدِ الْإِهَابَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَرْوًا وَغَيْرَهُ مِمَّا لَا يَخْلُو مِنَ الشَّعْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>