للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّيْخَانِ، أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وأبو محمد بن قدامة، فَقَالَ أبو البركات فِي (مُحَرَّرِهِ) : وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَالْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَقَالَ أبو محمد فِي (الْمُغْنِي) : لَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَلَا اللِّوَاطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِبَدَلِهِ، وَلَا هُوَ إِتْلَافٌ لِشَيْءٍ، فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ وَالْوَطْءَ دُونَ الْفَرْجِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ قَطْعًا، فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الشَّارِعُ قِيمَةً أَصَلًا، وَلَا قَدَّرَ لَهُ مَهْرًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى وَطْءِ الْفَرْجِ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، وَلَازَمَ مَنْ قَالَهُ إِيجَابُ الْمَهْرِ لِمَنْ فُعِلَتْ بِهِ اللُّوطِيَّةُ مِنَ الذُّكُورِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ الْبَتَّةَ.

[فصل هَلْ لِلْحُرَّةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى مَهْرٌ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ الْأَمَةُ الْمُطَاوِعَةُ، فَهَلْ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالُوا: لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهَا، فَلَا يَسْقُطُ بَدَلُهَا مَجَّانًا، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ طَرَفِهَا. وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ: أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْبَغِيُّ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَهْرِهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَبِيثٌ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَأَجْرِ الْكَاهِنِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ، وَالْأَمَةُ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا مِنْ عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ هُنَّ اللَّاتِي كُنَّ يُعْرَفْنَ بِالْبِغَاءِ، وَفِيهِنَّ وَفِي سَادَاتِهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣] [النُّورِ: ٣٣] ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُخْرَجَ الْإِمَاءُ مِنْ نَصٍّ أُرِدْنَ بِهِ قَطْعًا، وَيُحْمَلَ عَلَى غَيْرِهِنَّ.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ مَنْفَعَتَهَا لِسَيِّدِهَا، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي اسْتِيفَائِهَا، فَيُقَالُ: هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ يَمْلِكُ السَّيِّدُ اسْتِيفَاءَهَا بِنَفْسِهِ، وَيَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا إِلَّا إِذَا أَذِنَتْ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلزِّنَى عِوَضًا قَطُّ غَيْرَ الْعُقُوبَةِ، فَيَفُوتُ عَلَى السَّيِّدِ حَتَّى يُقْضَى لَهُ بَلْ هَذَا تَقْوِيمُ مَالٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>