للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي رَمَضَانَ قَطُّ، وَعُمَرُهُ مَضْبُوطَةُ الْعَدَدِ وَالزَّمَانِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ قَطُّ، وَقَدْ قَالَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّ عُمَرَهُ لَمْ تَزِدْ عَلَى أَرْبَعٍ، فَلَوْ كَانَ قَدِ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ لَكَانَتْ خَمْسًا، وَلَوْ كَانَ قَدِ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ لَكَانَتْ سِتًّا، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: بَعْضُهُنَّ فِي رَجَبٍ، وَبَعْضُهُنَّ فِي رَمَضَانَ، وَبَعْضُهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ، وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ اعْتِمَارُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا قَالَ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَقَدْ رَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ " عَنْ عائشة: ( «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ» ) . وَهَذَا إِذَا كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهُ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ حِينَ خَرَجَ فِي شَوَّالٍ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَحْرَمَ بِهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ.

وَلَمْ يَكُنْ فِي عُمَرِهِ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عُمَرُهُ كُلُّهَا دَاخِلًا إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ أَقَامَ بَعْدَ الْوَحْيِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ اعْتَمَرَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَصْلًا.

فَالْعُمْرَةُ الَّتِي فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَعَهَا، هِيَ عُمْرَةُ الدَّاخِلِ إِلَى مَكَّةَ، لَا عُمْرَةُ مَنْ كَانَ بِهَا فَيَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ لِيَعْتَمِرَ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا عَلَى عَهْدِهِ أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا عائشة وَحْدَهَا بَيْنَ سَائِرِ مَنْ كَانَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ أَهَلَّتْ بِالْعُمْرَةِ فَحَاضَتْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>