للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَقَدِ اتَّفَقَ أنس، وعائشة، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ) » وَإِنَّمَا وَهِمَ ابْنُ عُمَرَ فِي كَوْنِ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، وَكُلُّهُمْ قَالُوا: وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ، وَهُمْ سِوَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالُوا: إِنَّهُ (أَفْرَدَ الْحَجَّ) وَهُمْ سِوَى أنس قَالُوا: تَمَتَّعَ. فَقَالُوا هَذَا، وَهَذَا، وَهَذَا، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ، فَإِنَّهُ تَمَتَّعَ تَمَتُّعَ قِرَانٍ، وَأَفْرَدَ أَعْمَالَ الْحَجِّ، وَقَرَنَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَكَانَ قَارِنًا بِاعْتِبَارِ جَمْعِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَمُفْرِدًا بِاعْتِبَارِ اقْتِصَارِهِ عَلَى أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ وَالسَّعْيَيْنِ، وَمُتَمَتِّعًا تَرَفُّهَهُ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ أَلْفَاظَ الصَّحَابَةِ، وَجَمَعَ الْأَحَادِيثَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَاعْتَبَرَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَفَهِمَ لُغَةَ الصَّحَابَةِ، أَسْفَرَ لَهُ صُبْحُ الصَّوَابِ، وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ ظُلْمَةُ الِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ، وَاللَّهُ الْهَادِي لِسَبِيلِ الرَّشَادِ وَالْمُوَفِّقُ لِطَرِيقِ السَّدَادِ.

فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَتَى بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، ثُمَّ فَرَغَ مِنْهُ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ بَعْدَهُ مِنَ التَّنْعِيمِ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَهَذَا غَلَطٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ حَجَّ حَجًّا مُفْرَدًا لَمْ يَعْتَمِرْ مَعَهُ كَمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، فَوَهِمَ أَيْضًا، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ تَرُدُّهُ كَمَا تَبَيَّنَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ وَحْدَهُ وَلَمْ يُفْرِدْ لِلْعُمْرَةِ أَعْمَالًا فَقَدْ أَصَابَ، وَعَلَى قَوْلِهِ تَدُلُّ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ قَرَنَ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافًا عَلَى حِدَةٍ، وَلِلْعُمْرَةِ طَوَافًا عَلَى حِدَةٍ، وَسَعَى لِلْحَجِّ سَعْيًا، وَلِلْعُمْرَةِ سَعْيًا، فَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ تَرُدُّ قَوْلَهُ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا، فَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَشْهَدُ لِقَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّوَابُ.

وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ تَمَتَّعَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَمَتَّعَ تَمَتُّعًا حَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>