للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُ جابر: إِنَّهُ (أَفْرَدَ الْحَجَّ) ، فَالصَّرِيحُ مِنْ حَدِيثِهِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا فِيهِ إِخْبَارُهُ عَنْهُمْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَنْوُونَ إِلَّا الْحَجَّ فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّى بِالْحَجِّ مُفْرَدًا.

وَأَمَّا حَدِيثُهُ الْآخَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْرَدَ الْحَجَّ) » ، فَلَهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ: أَجْوَدُهَا: طَرِيقُ الدراوردي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا يَقِينًا مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَمَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، وَالنَّاسُ خَالَفُوا الدراوردي فِي ذَلِكَ. وَقَالُوا: أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: فِيهَا مطرف بن مصعب، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جعفر ومطرف قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ، قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ، وَلَكِنَّهُ ابْنُ أُخْتِ مالك رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَبِشْرُ بْنُ مُوسَى، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أبو حاتم: صَدُوقٌ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَأْتِي بِمَنَاكِيرَ، وَكَأَنَّ أبا محمد بن حزم رَأَى فِي النُّسْخَةِ مطرف بن مصعب فَجَهِلَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مطرف أبو مصعب، وَهُوَ مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار.

وَمِمَّنْ غَلِطَ فِي هَذَا أَيْضًا، محمد بن عثمان الذهبي فِي كِتَابِهِ " الضُّعَفَاءِ " فَقَالَ: مطرف بن مصعب المدني عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

قُلْتُ: وَالرَّاوِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، والدراوردي، ومالك هُوَ مطرف أبو مصعب المدني، وَلَيْسَ بِمُنْكَرِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَدِيٍّ يَأْتِي بِمَنَاكِيرَ، ثُمَّ سَاقَ لَهُ مِنْهَا ابْنُ عَدِيٍّ جُمْلَةً لَكِنْ هِيَ مِنْ رِوَايَةِ أحمد بن داود بن صالح عَنْهُ، كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَلَاءُ فِيهَا مِنْهُ.

وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ: لِحَدِيثِ جابر فِيهَا محمد بن عبد الوهاب يُنْظَرُ فِيهِ مَنْ هُوَ وَمَا حَالُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، إِنْ كَانَ الطَّائِفِيُّ فَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ ابْنِ مَعِينٍ، ضَعِيفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: سَاقِطٌ الْبَتَّةَ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ مسلم، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: لَيْسَ بِغَيْرِهِ بَلْ هُوَ الطَّائِفِيُّ يَقِينًا. وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَوْ صَحَّ هَذَا عَنْ جابر لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَرْوِيِّ عَنْ عائشة وَابْنِ عُمَرَ وَسَائِرِ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ، إِنَّمَا قَالُوا: (أَهَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>