للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَتَصِيرُ قَارِنَةً، وَيَكْفِيهَا لَهُمَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ عَقِيبَهُ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَطُفْ طَوَافَيْنِ، وَلَا سَعَى سَعْيَيْنِ. قَوْلُ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ جابر: «لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ» . رَوَاهُ مسلم. وَقَوْلُهُ لعائشة: ( «يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) رَوَاهُ مسلم. وَقَوْلُهُ لَهَا فِي رِوَايَةِ أبي داود: ( «طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» ) .

وَقَوْلُهُ لَهَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لَمَّا طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: " «قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» "، قَالَ: وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ نَقَلُوا حَجَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ نَقَلُوا أَنَّهُمْ لَمَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَمَرَهُمْ بِالتَّحْلِيلِ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ طَافَ وَسَعَى، ثُمَّ طَافَ وَسَعَى. وَمِنَ الْمَعْلُومِ، أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ. فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.

وَعُمْدَةُ مَنْ قَالَ بِالطَّوَافَيْنِ وَالسَّعْيَيْنِ، أَثَرٌ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ، عَنْ علي وَآخَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَقَدْ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، خِلَافَ مَا رَوَى أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَمَا رَوَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ، مِنْهُ مَا هُوَ مُنْقَطِعٌ، وَمِنْهُ مَا رِجَالُهُ مَجْهُولُونَ أَوْ مَجْرُوحُونَ، وَلِهَذَا طَعَنَ عُلَمَاءُ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ، لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَلَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هُوَ مَوْضُوعٌ بِلَا رَيْبٍ. وَقَدْ حَلَفَ طَاوُوسٌ: مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، وَقَدْ ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وجابر، وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُخَالِفُوهَا، بَلْ هَذِهِ الْآثَارُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَطُوفُوا بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>