للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِ الَّذِي أَهْدَاهُ حَيًّا، أَوْ لَحْمًا، فَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى لَحْمًا أَوْلَى لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ رَاوِيَهَا قَدْ حَفِظَهَا، وَضَبَطَ الْوَاقِعَةَ حَتَّى ضَبَطَهَا: أَنَّهُ يَقْطُرُ دَمًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ لِلْقِصَّةِ حَتَّى لِهَذَا الْأَمْرِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِ بَعْضَ الْحِمَارِ، وَأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْهُ، فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ: أَهْدَى لَهُ حِمَارًا، بَلْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى لَحْمًا، تَسْمِيَةً لِلَّحْمِ بِاسْمِ الْحَيَوَانِ، وَهَذَا مِمَّا لَا تَأْبَاهُ اللُّغَةُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ، هَلْ هُوَ عَجُزُهُ، أَوْ شِقُّهُ، أَوْ رِجْلُهُ، أَوْ لَحْمٌ مِنْهُ؟ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشِّقُّ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْعَجُزُ، وَفِيهِ الرِّجْلُ، فَصَحَّ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِهَذَا وَهَذَا، وَقَدْ رَجَعَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ: " حِمَارًا "، وَثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ: " لَحْمَ حِمَارٍ " حَتَّى مَاتَ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَهْدَى لَهُ لَحْمًا لَا حَيَوَانًا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَكْلِهِ لَمَّا صَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَإِنَّ قِصَّةَ أبي قتادة كَانَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَقِصَّةُ الصعب قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْهُمُ: المحب الطبري فِي كِتَابِ " حَجَّةِ الْوَدَاعِ " لَهُ. أَوْ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ وَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ.

وَفِي قِصَّةِ الظَّبْيِ وَحِمَارٍ يزيد بن كعب السلمي البهزي، هَلْ كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، أَوْ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ؟ فَإِنَّ حَمْلَ حَدِيثِ أبي قتادة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِدْهُ لِأَجْلِهِ، وَحَدِيثِ الصعب عَلَى أَنَّهُ صِيدَ لِأَجْلِهِ، زَالَ الْإِشْكَالُ، وَشَهِدَ لِذَلِكَ حَدِيثُ جابر الْمَرْفُوعُ: " «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ» "

<<  <  ج: ص:  >  >>