للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْمُتَمَتِّعُ يَطُوفُ وَيَسْعَى لِلْقُدُومِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى مِنًى، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا أَدْرِي أَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْهُ أَمْ لَا؟ قَالَ أبو محمد: فَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَلَا نَقَلَهُ أَحَدٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أَرَى لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفُوا، وَلَا أَنْ يَسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ إِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ حَتَّى يَرْجِعُوا مِنْ مِنًى. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ ومالك، وأحمد، وأبي حنيفة وإسحاق وَغَيْرِهِمْ.

وَالَّذِينَ اسْتَحَبُّوهُ قَالُوا: لَمَّا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ صَارَ كَالْقَادِمِ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى لِلْقُدُومِ. قَالُوا: وَلِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ وَقَعَ عَنِ الْعُمْرَةِ، فَيَبْقَى طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ فِعْلُهُ عَقِيبَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهَاتَانِ الْحُجَّتَانِ وَاهِيَتَانِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قَارِنًا لَمَّا طَافَ لِلْعُمْرَةِ، فَكَانَ طَوَافُهُ لِلْعُمْرَةِ مُغْنِيًا عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَرَأَى الصَّلَاةَ قَائِمَةً، فَدَخَلَ فِيهَا، فَقَامَتْ مَقَامَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَأَغْنَتْهُ عَنْهَا.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَطُوفُوا عَقِيبَهُ، وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ مُتَمَتِّعًا. وَرَوَى محمد بن الحسن، عَنْ أبي حنيفة أَنَّهُ إِنْ أَحْرَمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ طَافَ وَسَعَى لِلْقُدُومِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَطُفْ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ بِأَنَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى مِنًى، فَلَا يَشْتَغِلُ عَنِ الْخُرُوجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>